ولما قامت الثورة على يد العسكريين, وتزعم عرابي مطالب الذين يريدون المجلس النيابي، وانضم إليه كثير من زعماء الأمة, وفي مقدمتهم سلطان باشا، وعبد الله نديم، وامتزجت مطالب الجنود بمطالب الأهالي، وطلب العدالة بين الضباط بطلب الحكم النيابي بإلغاء الاستبداد، لم يكن محمد عبده من المحبين لهذه الثورة أو العاملين فيها؛ لأنه كان يكره عرابي باشا، ويعتقد أنه شهم في الكلام, ضعيف في الحرب، أليق به أن يكون واعظًا للعوام من أن يكون زعيم أمة، ويقول فيه:"كان أحمد عرابي ينظر إلى رؤسائه من الجراكسة نظر العدو إلى عدوه، وكان يحتقرهم في نفسه لاعتقاده إنهم دونه في المعرفة، ويرى أنه أحق منهم بالرتب العالية التي كانوا يتمتعون براتبها ونفاذ الكلمة فيها، وربما لم يكن مخطئًا في الكثير منهم، وكان أجرأ إخوانه على القول وأقدرهم على إقامة الحجة" ونسي محمد عبده أن عرابي كان يبادل هؤلاء الجراكسة احتقار باحتقار، لأنهم كانوا ينظرون إلى المصريين دونهم في كل شيء, وحرمهم المناصب العالية، وأنهم السادة وهم الخدم.
ولكذلك كان مناوئًا للثورة في أول الأمر, ويعترف بذلك صراحة فيقول:"كنت معروفًا بمناوأة الفتنة واستهجان ذلك الشغب العسكري، وتسوئة رأي الطالبين لتشكيل مجلس النواب على ذلك الوجه، وبتلك الوسائل الحمقى.. مررت ببيت "طلبة" ثالث يوم عيد الفطر فسمعة جلبة، ورأيت بعضًا من صغار الضباط يجولون من جانبٍ إلى آخر من البيت, فدخلت للزيارة فوجدت عرابي، وجمعًا غفيرًا من الضباط، ووجدت معهم أحد أستاذة المدرسة الحربية، فجلست واستمر الحديث في وجهته، وكان موضوعه: الاستبداد والحرية وتقييد الحكومة بمجلس النواب، وأن لا سبيل للأمن على الأرواح والأموال إلّا بتحويل الحكومة إلى مقيدة دستورية, فأخذت طرفًا من البحث، فأقمنا على الجدل ثلاث ساعات، كان عرابي والأستاذ في طرف والكاتب في طرفٍ وهما يقولان: إن الوقت قد حان للتخلص من الاستبداد، وتقرير حكومة شورية، والكاتب يقول: علينا أن نهتم الآن بالتربية والتعليم بعض سنين, وليس من اللائق أن نفاجئ البلاد بأمر قبل أن