للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١- أما أسلوبه فتراه يعنى به عنايةً زائدةً, وإذا قرأت ما كتبه في جريدة الأهرام، تجده متأثرًا بالكتب الأزهرية وخاصة ما أُلِّفَ في الفلسفة الإسلامية؛ من حيث الموضوع وطريقة علاجه، ونجده كذلك لا تفوته سجعة، وإن تكلف في سبيلها المشاق، ويقدم موضوعه بمقدمات طويلة تجهد نفس القارئ وتسئمه، وهاك مثلًا على هذا الأسلوب من مقالة "الكتابة والقلم": "ولما انتشر نوع الإنسان في أقطار الأرض، وبعد ما بينهم في الطول والعرض، مع ما بينهم من المعاملات، ومواثيق المعاقدات، احتاجوا إلى التخاطب في شئونهم، مع تنائي أمكنتهم، وتباعد أوطانهم, فكان لسان المرسل إذ ذاك لسان البريد, وما يدريك هل حفظ ما يبدء المرسل وما يعيد، وإن حفظ هل يقدر على تأدية ما يريد, بدون أن ينقص أو يزيد، أو يبعد القريب أو يقرب البعيد، فكم من رسول أعقبه سيف مسلول، أو عنق مغلول، أو حرب تخمد الأنفاس، وتعمر الأرماس، ومع ذلك كان خلاف المرام, ورمية من غير رام.. فالتجئوا إلى استعمال رقم القلم, ووكلوا الأمر إليه فيما به يتكلم". وهذا النوع من النثر قد وفيناه بحثًا فيما سبق.

ثم لما اتصل بجمال الدين، ورأى منه قدرته على تصريف المعاني، وعلى ابتداع أفكارٍ جديدةٍ, وقرأ معه بعض كتب الفلسفة والمنطق, وخاض في الموضوعات الاجتماعية والسياسية, تدفعه إلى الكتابة عاطفة جياشة وشباب فتيّ, وأثر متقد من نفس أستاذه جمال الدين, لم يجد وسيلة إلّا أن يتخلص من السجع والكلف به وأن يتجنب المقدمات الطويلة، وأن يرتِّبَ الموضوعات ترتيبًا منطقيًّا، ويكثر من استعمال الأقيسة والبراهين، يقلب الفكرة على شتَّى وجوهها؛ ويرى في كلامه قوةً وحرارة إيمان بما يكتب، وهذا النوع من النثر يتجلى في مقالات "الوقائع المصرية" وقد تدرج في إصلاح أسلوبه حتى اشتد وقوي، ثم بلغ درجةً عظيمةً من المتانة, وبرزت فيه هذه المزايا التي ذكرناها في مقالات "العروة الوثقى", فمن نثره في "الوقائع المصرية" قوله في التربية بالمدارس: "من المعلوم البيِّنِ أن الغرض الحقيقي من تأسيس المدارس والمكاتب، والعناية بشأن التعليم فيه إنما هو تربية العقول والنفوس, وإيصالها إلى حدٍّ يُمَكِّنُ المربي من نيل كمال السعادة أو معظمها ما دام حيًّا, وبعد موته، ومرادنا من تربية العقول إخراجها من حيز البساطة

<<  <  ج: ص:  >  >>