الصرفة والخلو من المعلومات، وإبعادها من التصورات والاعتقادات الرديئة إلى أن تتحلى بتصورات ومعلومات صحيحة تحدث لها ملكة التمييز بين الخير والشر, والضار والنافع، ويكون النظر بذلك سجية لها، أي يكون لنور العقل نفوذ تامٌّ يفصل بين طيبات الأشياء وخبائثها".
وهو أسلوب المصلح الاجتماعي, وقد عرفت خصائص هذا النوع من النثر قبل، ولم يكن يعمد فيه الشيخ محمد عبده إلى تفخيم الألفاظ وانتقائها، وحبك الجمل واستوائها، وقد يستعمل أحيانًا كلمات عامية أو دخيلة للتعبير عما يريد إذا لم تسعفه الكلمة العربية.
أما مقالات "العروة الوثقى" فقد مرت بك نماذج كثيرة منها, فلا داعي لذكر جديد.
ثم مرن أسلوب الشيخ محمد عبده واشتدَّ قلمه، من كثرة ما كتب، وما تناول من موضوعات, وما تأثر به من تجارب وقراءة، وبلغ أسلوبه غايته في مقالته التي يردُّ بها على "هانوتو" وكان وزيرًا لخارجية فرنسا، وقد بحث في كلمته الأسباب التي تدعو المسلمين إلى النفور من الحكم الأجنبي، وهل من وسيلة لتحبيبهم في فرنسا؟ وقد تعرض للإسلام, ولماذا كان المسلمون غير مسيحيين؟ ووازن بين الإسلام والمسيحية، وتعصَّب لدينه ونشرت جريدة "المؤيد"١ مقالته, فرد عليه الشيخ محمد عبده ردًّا مفحمًا, تجلت فيه نصاعة الفكرة، وصدق العاطفة ومتانة الأسلوب، وقوة الحجة، وسلامة البرهان، مع بساطة في التركيب، وسهولة في الألفاظ، وطالت المساجلة بين "هانوتو" والشيخ محمد عبده، وانتصر فيها الإمام انتصارًا بالغًا, وكان من الأسباب التي مكنت له مقامه بمصر بعد عودته من المنفى، ووضعته في مركز الصدارة من مفكري الأمة والذادة عن الدين.
١ تاريخ الإمام ج٢ ص٣٨٢، مقال "هانوتو" ص ٣٨٢-٣٩٥, ورد محمد عبده عليه ص ٣٩٥-٤١١, انظر التفاصيل في تاريخ الإمام ج٢ ص٢٨٩ وما بعدها.