وبهذه الوسائل استطاع محمد عبده أن يقدم للنثر العربي خدمة جليلة، ويوجه الكُتَّاب إلى العناية بما يكتبون، غير مقيدين بذلك السجع السخيف, ومنصرفين إلى المعاني وتفتيقها, ودراسة الموضوع دراسة جيدة تفيد القارئ وتجدي على الأمة.
هذا ما كان من أثره في النثر، ولا يسعنا ونحن نختم هذه العجالة عن محمد عبده إلّا أن نقرر أنه أيقظ في مصر الشعور الديني، والرغبة في الإصلاح الاجتماعي، وأن الأولى بالمسلمين أن يعتمدوا في الإصلاح على أنفسهم, ويدعوا الفخر بماضيهم؛ ودعا إلى أن العقل يجب أن يحكم كما يحكم الدين، فالدين عرف بالعقل، وكما دعا إلى الاجتهاد، وعدم الوقوف بالتشريع وبمسائل الدين عند الحد الذي قُرِّرَ من قرون عديدة، وذلك لكي نواجه المسائل الجديدة بتشريعٍ دينيٍّ سليم, قبل أن نغلب على أمرنا، وكان يرى أن أكبر سلاح في الدنيا هو العلم، وأكبر مقوم للأخلاق ومهذب لها هو الدين، والدين الإسلامي لحسن الحظ يتشمى مع العقل، ويحض على مكارم الأخلاق، ويفسح صدره للعلم.
لقد خلف محمد عبده تلاميذه ببررة تأثروا بتعاليمه, وظلوا ردحًا طويلًا من الزمن يفتخرون بانتسابهم إليه وبالأخذ عنه، ومنهم سعد زغلول، وحافظ إبراهيم، وإبراهيم المويلحي، والهلباوي، ومصطفى صادق الرافعي بمصر، وإبراهيم اليازجي، وأحمد الحمصاني بسوريا, وعدد كثير سواهم ممن حملوا لواء الإصلاح بعده, وكان لهم الأثر البالغ في أوطانهم ونهضتها، وإن كان قد صبغهم في أثناء حياته بطابعه السياسي الخاص، ووجه ميولهم صوب الإنجليز، فهادونهم، وتعانوا معهم في كل شيء، فلما تُوفِّيَ الشيخ محمد عبده, أسرع بعضهم إلى جبهة الوطنيين مثل حافظ إبراهيم، وتأخر الزمن قليلًا ببعضهم عن ذلك المضمار, ولكن ما لبث بعضهم حتى صار زعيم الوطنية بمصر كسعد زغلول.