أقل فعالي بله أكثره مجد ... وذا الجد فيه نلت أو لم أنل جد
وادعى المفترح أنه لا يتأتى لشاعر أن يعارض المتنبي في قوله بهذه القصيدة:
ومن نكد الدنيا على الحر أن يرى ... عدوًا له من صداقته بد
فقبل النديم التحدي، وأنشأ قصيدة مطلعها:
سيوف الثنا تصدا، ومقولي الغمد ... ومن صار في نصري تكلفه الحمد
ومنها يعارض بيت المتنبي:
ومن عجب الأيام شهم أخو حجا ... يعارضه غر ويفحمه وغد
ومن غرر الأخلاق أن تهدر الدما ... لتحفظ أعراض تكفلها المجد
وليس هذا شعرًا صادرًا عن عاطفة أو فكرة، وإن هو إلّا مهارة لسانية، وإظهار لمقدرة كلامية، وقوة عارضة، وتوقد خاطر، وأثر الصنعة باد عليه، ولكن الشعر في عصر عبد الله نديم كان كذلك.
ثم عاد إلى الإسكندرية في سنة ١٨٧٩، بعد أن غاب عنها طويلًا, ووجد الأمور والأحداث قد بدلت حديث الناس وسمرهم, ولم يعد الشعر وروايته والأدب ودرايته هي ما يشغل المستنيرين بمصر عامة، والإسكندرية بخاصة، وإنما كان يشغل الناس حينذاك إسراف إسماعيل وتهوره، وتدخل الأجنبيّ في شئون البلاد وتجبره, ووجد بالإسكندرية جمعية سرية تسمى:"مصر الفتاة" تنقد إسماعيل وأعماله صراحة، وتعبر عن آلام الأمة وآمالها، ووجد الصحف قد تغيرت لهجتها، وصارت بفضل تعاليم جمال الدين ميدانًا، فيه الأقلام المرهفة الحادة على الظلم والعنفوان والاستبداد والقسوة, وتطلب الشورى وإنصاف الشعب، ورأى عبد الله نديم أن هذا الأدب الجديد ينسجم مع نفسه, فألقى بها في هذا التيار، تيار السياسة القوي, حتى صار من قواد الأمة السياسيين، ورائدًا من رواد الوطنية الأوائل، فأخذ يغذي الصحف بمقالاته السياسية، وحَوَّلَ هذه الجمعية السرية إلى جمعية علنية تعمل في ضوء النهار، وسماها الجمعية