للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم نراه في المنصورة يتجر في "العصائب" ويجمع حوله الأدباء والشعراء, فأكل الربح رأس المال الذي جاد به عليه أحد الكرماء، ووجد نفسه بعد مدةٍ في دكانٍ مملوء بالشعراء, خلو من السلع، فهام على وجهه مرة أخرى بالبلاد حتى وصل إلى طنطا إبان مولد السيد البدويّ, واتصل بشاهين باشا كنج١، وكان رجلًا ذا جاه يجتمع حوله الأدباء والظرفاء, وله ببيته منتدى يضم أنماطًا شتَّى من ذوي اللسن والنكتة والفكاهة، وقد مكث عبد الله نديم في ضيافته مدةً ينعم بكرم وأدب وراحة، وكان واسطة العقد يبهر الناس بأدبه وطلاقة لسانه وسرعة بديهته، وكان يتحداه الأدباء، ويحاولون تعجيزه ولكنه بهرهم بمواهبة؛ وقد روي أن بعضهم اقترح عليه أن يعارض دالية المتنبي المشهورة التي مطلعها:


١ وقد وقع له مع شاهين باشا حادثة تدل على مبلغ بديهة عبد الله نديم واستعداده الأدبي, فقد قال هو عن نفسه: "كنت بمولد السيد البدوي ومعي السيد علي أبوالنصر والشيخ علاوة, وجلسنا على قهوة الصباغ نتفرج على أديب وقف يناظر آخر، فلما فطن أحدهم لانتقادنا عليهما استلفت أخاه إلينا، وخصنا بالكلام، فأخذا يمدحاننا واحدًا فواحدًا, إلى أن جاء دورهما إليّ, فقال أحدهما يخاطبني:
أنعم بقرشك يا جندي ... وإلا اكسنا أمل يا أفندي
ولا أنا وحياتك عندي ... بقي لي شهرين طول جوعان
فقلت على سبيل المزاح:
أما الفلوس أنا مديشي ... وأنت تقول لي ما امشيشي
يطلع على حشيشي ... أقول أمص لك لودان
ولما بلغ شاهين باشا ذلك وأني غلبت هؤلاء "الأدباتية" طلب شيخهم، ووعده إن غلبوني يعطهم ألف قرش. وإن غلبتهم يضرب كل واحد من عشرين "سوطًا" واجتمع لذلك حشد من الناس كبير, وابتدأ كبيرهم فقال:
أول كلامي حمد الله ... ثم الصلاة على الهادي
ماذا تريد يا عبد الله ... قدام أميرنا وأسيادي
فقلت:
إني أريد أحمد ربي ... بعد الصلاة على المختار
وإن كنت تطمع في أدبي ... أسمعك بعض الأشعار
فقال:
دعنا من الأدب المشهور ... وادخل بنا باب الدعكة
ندخل على أسيادنا بسرور ... ونغنم الخير والبركة
فقلت:
ها احتكم في البحر وشوف ... فن النديم ولا فنك
دقولت أسمع يا متحوف ... أحسن أدب وحياة دقنك
وهكذا استمر عبد الله نديم يشاجل هؤلاء الأدباتية حتى أفحمهم, وتجد ثبتًا لا بأس به بمجلة الأستاذ, كتبه بنفسه، ونقله أحمد باشا تيمور في كتابه "تراجم أعيان القرن الثالث عشر وأوائل الرابع عشر".

<<  <  ج: ص:  >  >>