من ذوي الورع والتقوى، فأمنوا جانبه، وأسلموه له؛ فأخذه يعرضه في الأسواق والطرقات, وجلب له من الغواني الحسان من تعارض الشمس بحسنها, وتكسف البدر بنورها, يغازلن أهله بحركات تحرك الجبان، فانصر الأهل إليهن، وتركوا مراقبة الفتى المليح؛ فانفرد به ذلك المحتال الخداع، وأغرى به الفتيات الملاح، فتمنع حيناً, وعصمه حياؤه وطهر نشأته زمانًا طويلًا، ولكن رأى أن الإغراء شديد، والخصم عنيد، وأن لا قبل له بهؤلاء الشياطين, ولا سيما وقد وجد أهله عاكفين على التزلف لهؤلاء النسوة، والتدله في حبهن، فسار في الطريق التي رسمها من قبل هذا المنافق الدجال, فما هي إلّا شرفة كأس حتى أصيب بالداء الإفرنجي "الزهري"؛ فاصفرَّ لونه, وارتخت أعضاؤه، وذهبت بهجته، وغارت عيناه, وتشوه وجهه، وتبدلت محاسنه بقبائح تنفر منها الطباع، وفطن إليه بعض أهله, فلما رأى ما به بكى وانتحب، وأخذ يذرف العبرات ويصعد الزفرات، ويلفظ الحسرات، وجمع له الأطباء يشخصون داءه، ويركبون الدواء عله يبرئه من علته, ويقف سريان الداء، وأقبل أهله متلهفين لسماع نصح الأطباء ورأيهم, فطلبوا إليهم الهدوء والسكون، ومساعدتهم في خدمته، وتنظيف محله, وتطهير أعضاءه وحفظه حتى لا يقربه غريب, ولا يمكن أجنبي من الوصول إليه فيفسد العلاج, ويسعى في إتلافه أكثر مما صنع هو وقومه، وأخذ أهله يعملون بمشورة الأطباء ويبذلون الجهد في وقايته وصيانته".
وهذه قصة رميزة تصوِّرُ ما كان من إصابة مصر على يد إسماعيل وإسرافه، وتدخل الأجانب في شئونها، والمراقبة الثنائية، وصندوق الدين، وتصور كذلك ألم الناس من هذه المرض الإفرنجي، وأملهم في النجاة بسعي العقلاء وتفكير المستنيرين، وتوريته "بالإفرنجي" عن هذه المصائب التي حلت بالبلاد تورية بارعة.
وترى بالعدد الأول من "التنكيت والتبكيت" مقالًا آخر بعنوان: "عربيٌّ تَفَرْنَجَ" وهي قصة شاب من صميم الريف, أبوه فلاح مسكين، لم يستطع أن يعلمه، بل تركه جاهلًا يساعده في حقله ويأكل البصل، ولا يرى اللحم إلّا في العيد، ثم مرَّ