سوء معاملتهم ذريعةً للتدخل الأجنبيّ، وغير ذلك من الأمور التي يرى أن الحاجة ماسَّةً إلى التكلم فيها لأول عهد توفيق، ومن قوله في أثر الخطابة وفائدتها:
"ألسن الخطباء تحيي وتميت، وحكمة إذا عقلت معناها وقفت على سر الخطابة حكمة حدوثها، وعلمت أنها للعقول بمنزلة الغذاء للبدن، وكانت الخطابة في الأعصر الخالية غير معلومة إلّا في أمتيّ العرب واليونان، فكانت ساحتها في جزيرة العرب عكاظًا، ومنابرها ظهور الإبل، وهذه الساحة كانت معرضًا للافكار, تجتمع فيه الخطباء والبلغاء والشعراء وأمم كثيرة من المجاورة للجزيرة؛ فيرقى الخطيب ظهر ناقته, ويشير بطرف ردائه، وينثر على الأسماع دررًا وبدائع، ثم يباريه آخر, ويعارضه غيره, فتتضارب الأفكار, وتتنبه الأذهان, وتحيا الهمم، وتتحرك الدماء، ويرجع كبار القبائل وأمراؤها لما يشير إليه الخطيب إن صلحًا وإن حربًا، ولم يقتصروا في خطباتهم على مسائل الحرب والصلح، بل كانوا يخوضون بحار الأفكار, فلا يتركون مَلَمَّةً إلّا شرحوها، ولا يذورون فضيلةً إلى حثوا عليها، حتى إنهم كانوا يحفظون أسماء الحكماء منهم, وأهل المآثر فيذكرونهم في هذا المعرض إحياءً لتذكارهم, وتخليدًا لأسمائهم؛ لئلَّا يجهل الآتي سيرة الماضي فتفتر الهمم، وتخمد الدماء, وتتغير الطباع".
٣- وأما مقالاته بالأستاذ فكانت صرخةً أخرى مدويةً, حاول بها إيقاظ مصر كي تتنبه لما يحدق بها من أخطار، وعالج في هذه المقالات موضوعات اجتماعية وسياسية وخلقية لم تخطر على بال أحد من قبل، فتراه يتكلم عن التعليم وأثره في الحضارة والعمران, وما يجلبه الجهل من الآفات الاجتماعية والعلل الخلقية, ويعدد هذه المثالب, ويبين أثرها في تأخر الأمة، وتارةً يحث أبناء مصر على الاتحاد والتآزر والالتفاف حول الوطن والأمير والسلطان, والتنكر للأجانب مهما كان شأنهم، والتحذير من غواياتهم، وهو أول من دعا إلى أن مصر يجب أن تكون للمصريين لا لتركيا ولا للأوربيين، فكانت لفتةً وطنيةً لا تخرج إلّا من قلبٍ عامرٍ بحب بلاده، ولا سيما في ذلك الزمان الذي لم تفكر فيه أية دولة عربية في هذا المعنى، وإنما كانت الفكرة الوطنية عندها عاطفة غامضة تربط مصيرها بمصير