وبذلك يجدي النقد ويؤتي ثمرته، ولذلك أكثر منه، ولم يضع هذه القصص في عباراتٍ منمَّقَةٍ مزوقةٍ بليغة متخيرة الألفاظ، ولكن ساقها في أسلوب سهلٍ, وكثيرًا ما عمد إلى اللغة العامية يعبر بها عن مراده، ولعلمه أن في الناس الجاهل والعالم, والعامة والخاصة، ولكل أسلوب يلائمه، فموضوع:"الداء الإفرنجي" موضوع سياسيّ رمزيّ لا يفهمه إلّا الخاصة، ولذلك صيغ صياغةً أدبيةً سليمةً، أما موضوع:"المرابي والمزراع"، وموضوع:"سماع القصص" فمكتوبان للعامة، ولذلك لجأ إلى اللغة العامية يعبر بها حتى يفهمها هؤلاء فيتعظوا.
إن النديم في هذه الموضوعات قدير على الحوار، وتراه يبالغ حتى يستفز شعور القارئ, ويجعله يشمئز من هؤلاء الجهلة الذين يصور حالتهم، وتراه كذلك يستنفد المعاني ويستقرئ الأسباب، حتى يكون الحكم، أو النهاية بالغة العظة، ولو فطن النديم إلى المسرحية الهزلية وصور هذه الشخصيات فيها لكان "موليير" العرب؛ لأن عنده المقدرة على التصوير، وخلق الشخصيات والتهكم عليها, والمبالغة في تبشيع المثالب والعيوب، وهذه كلها تعده لأن يكتب ملهاة متقنة.
٢- ومن الموضوعات التي كتب فيها بمجلته فيما بعد موضوع "الخطابة، وأثرها في تاريخ الإسلام"، وفائدتها في تهذيب الشعب وتربيته، ورأى أن خطب الجمعة ميتةً لا تمت إلى الحياة التي يحياها الناس بصلة, وتتكلم في أمور بعيدة عن مشكلاتهم الاجتماعية والخلقية والسياسية كل البعد١، واقترح أن يحضر خطب الجمعة فئة من ذوي الفكر السديد والرأي الرشيد، وتوزعها الحكومة على خطباء المساجد, وتبرع هو فوضع نموذجًا لخطبة منبرية، ضمنها الحثَّ على الاهتمام بشئون البلاد والمحافظة على حقوقها, والدعوة إلى الائتلاف للتغلب على الخصم الأجنبيّ، وعلى الأخطار التي تحدث بالوادي، والاتحاد بين المسلمين والأقباط، والتذكير بمجد مصر السابق، ومعاملة الأجانب بالحسنى حتى لا تتخذ
١ من العجيب أن تسعين في المائة من خطباء المساجد اليوم لا يزالون على الحال التي وصفها النديم وخطبهم بعيدة عن التأثير؛ لأنها لا تمس الحياة في صميمها, ولا تعالج مشكلات الناس، وكل جمعة أحس بضيق وحرج من جراء ما أسمع من خطب ميتة.