"سهرة الأنطاع" بقوله: هكذا تكون حال من لم يتهذب صغيرًا, فإنه يخرج أسير شهواته, بعيدًا عن إدراك المعاني, جبانًا بليدًا غبيًّا".
ثم يتعرض في كلمة أخرى لهؤلاء الذين يلتفون حول القصاص بالمقهى يسمعون قصة عنترة, ويتجادلون ويتحزَّبون لأبطال القصة: ولما رآهم القصاص منصتين إليه أخذ يفتري عباراتٍ ينسبها إلى عنترة، وكلماتٍ يعزوها إلى عمارة، وكل فريق يرشه حتى ينتصر له بتلفيق كلام يصف فيه حزبه، وأخيرًا انتهت الليلة بأسر عنترة، فقام من الجمع رجل قدَّم للقصاص عشرة جنيهات ليخلص عنترة من أسره فأبى، فانهال عليه شتمًا وسبًّا، وتذكر أن عنده قصة عنترة ولكنه أميّ، فذهب إلى ابنه قبيل الفجر وأيقظه، وهو في مصيبته التي لحقته تلك الليلة، حتى ظنَّ الولد أن أمه قد ماتت، أو أحد أخوته توفي، أو تجارة أبيه صودرت، فلم علم أن الأمر يتعلق بعنترة أخذ يهوّن على والده الأمر، ويصف القصة بالتلفيق والكذب، فانهال عليه والده ضربًا بالعصا وطرده من البيت.
ثم يقص أمر المزراع والمرابي، وقد ذكرناها آنفًا، ويتبع ذلك بقصة غنيٍّ كبيرٍ بنى بيتًا واعتنى بأثاثه ورياشه، ثم دعا فريقًا من أصدقائه لزيارته، ولما وصلوا إلى المكتبة سأله أحدهم عن الكتب التي يهواها، فأجاب بما يدل على الجهل، وأنه لا علم له بالكتب وما تحتويه، وكل ما في الأمر أنه زار أحد العظماء ووجد في بيته خزانة كتب، عليها ستارة خضراء، وبجانبها منفضة من الريش، والخادم يسح زجاجة الخزانة كل يوم, فظن أن هذا طرازٌ جديدٌ في تأثيث البيوت؛ فحاكاه فيه دون أن يعرف شيئًا عن الكتب وما تحتويه, فدل على عظيم جهله, وعلى أن التقليد الأعمى مضر بالإنسان مزر بمكانته.
أجل! ضم العدد الأول من المجلة كل هذه الموضوعات التي تصور عيوبًا شائعةً لا يزال بعضها متفشيًا، وتصف الدواء لهذه العلل الاجتماعية، ولكن بأسلوب الوعظ والإرشاد, وإن كان ممزوجًا بكثير من التهكم الاذع والسخرية المرة، والكلمات القارصة، وقد فطن النديم إلى أن التعليم والنقد عن طريق القصة يحمل القارئ على متابعة القراءة, ويرى مصير أشخاص القصة فيتعظ بهم،