ومن الجمل المترادفة والجناس المتكلف قوله من الرسالة السابقة:"فكاهة نفوس، وزينة طورس، هزلها أدب, وجدها طرب، وإن سئلت أوجزت، وإن سألت أعجزت، لو أقمت لها حكمًا، وجدها كلها حِكَمًا".
ومن المبالغات السخيفة، والوصف المتكلف قوله يصف أديبًا:"رامي نبال وعظه إلى الأحشاء، ومفوق سهام بديعه إلى الإنشاء، حامل لواء العلوم العقلية، وقائد جيوش الفنون النقلية، مطلع شمس الأماني، ومبارز فرسان المعاني، إن ألف لم يتكلف، بل يجعل الانسجام زينة الكلام، وإن نثر كَرَّ بهجومٍ على سرايا النجوم".
فهذا الأديب في حربٍ دائمةٍ يرمي الأحشاء بنبال وعظه، يفوق سهام بديعه إلى الإنشاء، ويحمل لواء العلوم العقلية، واللواء يقتضي الجيوش، وهكذا تراه يحمل معدات الحرب ويستعملها، وكثيرًا ما يعمد إلى هذا الأسلوب، ويكرر هذا المعنى كقوله:"وكيف لا يكون لساني قوس البديع، وكلامي السهم السريع، وأنت باريه وراميه؟ أم كيف لا يكون مقامي الحصن المنيع, وقدري العزيز الرفيع، وأنت معليه وبانيه؟ ".
وله في مطلع حياته كذلك رسائل التزم فيها ما لا يلتزم من ألوان السجع إظهارًا لبراعته, وعرضًا لقدرته ومهاراته، فتارةً تراه يأتي بمجموعة من السجعات؛ كل اثنتين متشابهتين في القافية، وفي ختامها سجعة من قافية مختلفة، ثم يكرر هذه القوافي بالترتيب الذي ساقها به أولًا، وتارةً يأتي بمجموعة من السجعات بعض خمس أو ست على الترتيب الأول، وأحيانًا يلتزم في السجعة الثانية أن تكون آية من آيات القرآن، ومن النوع الأول قوله:"لعبت به الأشواق في مصارع العشاق, لعب الراح بالأرواح في مجلس الأنس، وجرت به الأتواق١ في ميادين الأذواق, جري السحاب والأرواح في حومة الشمس".