للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن الثاني قوله: منحتنا اللهم سلامة الروح, فلله الحمد على هذه المنحة حمدًا بلا عد، ووهبتنا صحة لب البيان, فلله الشكر على هذه الصحة شكرًا بلا حدِّ، يلوح بدره، ويفوح عطره، وروح هو عين الحياة، ومدد العقل، ولب هو منطق للشفاه، وسند النقل، طال عمره وجال أمره".

ومثل النوع الثالث الذي يأتي فيه بسجعةٍ قرآنيةٍ تكمل المعنى قوله من رسالةٍ كتب بها إلى صديقه المرحوم عبد العزيز حافظ تنبيهًا له حينما رآه يجتمع ببعض المغاربة, ويشتغل معهم بخرافاتٍ باطلة: "لا حول ولا قوة إلّا بالله اشتبه المراقب باللاه، واستبدل الحول بالمر، وقدم الرقيق على الحر، وبيع الدر بالخزف، والخز بالحشف، وأظهر كل لئيم كبره, إن في ذلك لعبرة، سمعًا سمعًا؟ قالوشاة إن سعوا لا يعقلوا, ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا، فكيف تشترون منهم القار في صفة العنبر, وقد بدت البغضاء من أفواههم، وما تخفي صدورهم أكبر؟ وكيف تسمع الأحباب لمن نهى منهم وزجر، ولقد جاءهم من الأنباء ما فيه مزدجر" إلى أن يقوله له: "وأنت يا عزيز العليا, ووحيد الدنيا، قد بينت لك فعلهم, فبما رحمة من الله لنت لهم؛ ولكنهم طمعوا في عميم قولك، ولو كنت فظًّا غليظ القلب لانفضوا من حولك، أتراهم يعقلون كلام أو يفهمون، لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون".

ومعظم رسائله الأدبية من هذا الطراز الذي يكثر فيه ألوان البديع, ويلتزم السجع, ويفتن في عرضه، ونراه لا يمدح رسالةً وصلت إليه إلّا بأن البديع قد كمل نظمه، والسجع قد لطف من مثل قوله: "إذا قرأت لفظه، وسمعت وعظه, ورأيت ما فيه من المرقص والمطرب، والمنعش والمعجب، وتلوث ما فيه من الرقائق، ونظرت ما حاز من الدقائق، علمت أنه معجزة المتنبي, وإن تأخر زمانها، وفطنة المعري، وإن بعد مكانها, وكيف لا وعطر نرجس بلاغته أزرى بطيب الريحانة، وحسن دمية بيانه نبه على ضيق الخزانة، وانسجام رقائق كلماته أغنى عن البديعات، ورقة لطف سجعاته تأهت على الأرتقيات١".


١ نسبة إلى الدولة الأرتقية, وأول من أسس الدول الأرتقية معين الدولة سقمان بن أرتق, بعد أن استولى على حصن "كيفا" سنة ٣٨٥هـ من الأمير موسى التركماني، وكان أرتق جد معين الدولة مملوكًا من مماليك السلطان ملكشاه السجلوقي، وأحد قواده، والأرتقيات القصائد والمدائح, كان يقولها الشعراء لملوك هذه الأسرة, واستمرت الأسرة الأرتقية حتى القرن التاسع الهجري.

<<  <  ج: ص:  >  >>