للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا النوع من النثر بما فيه من تلاعبٍ وافتنانٍ في الازدواج والفواصل والسجعات, تقليد لمقامات الحريري وما ورد على مثالها من الرسائل، ومما يؤيد هذا الاتجاه عند النديم أنه كتب رسالة على لسان أحد أصدقائه يطلب إليه فيها أن يراسله، ويشترط أن تكون رسائله مشتملة على أفانين خاصة من البديع وغيره، وينفذ النديم الشرط, فيضع عدة رسائل منفذًا بها شروط صديقه التي ذكرها في قوله: "أحب أن تتواصل إليّ رسائلك, وتسامرني وسائلك، بشرط أن تكون أسطرها عشرين فما فوق، وأن يكون بعضها في غزل وعشق, وبعضها نكتًا أدبية, وبعضها فوائد عربية، هذه محاورة، والأخرى مسايرة، تارةً طرائف خمرية, ومرةً لطائف عمرية، وهكذا تشرف من كل دن، وتسطع في كل فن، على أن تكون بحكايات ما طرأت على الأفكار، ولا خرجت من الأوكار, تلتزم الجناس في الفقر, وألَّا تأخذ شعر غيرك إلّا بيتًا أو بيتين" وقد استجاب النديم لهذا الطلب فوضع عدة رسائل متكلفة لا معنى لها، وقد أثبت منها "أحمد سمير في السلافة"رسالتين.

والشعر الذي يرصع به الرسائل وأمثالها -وهو كثير بحيث لا تخلوا منه رسالة- شعر يمثل هذا التعمل من مثل قوله يتلاعب بلفظ النوى:

لست الملول مع التدلل والنوى ... إن لم يكن روحي على هجري نوى

ما دام يرضي منيتي فقد استوت ... عند الإقامة في شبين أو نوى

أطعمته أثمار ودي كلها ... وغذيت من ثمر المحبة بالنوى

ويأتي النديم أحيانًا بتعبيراتٍ غريبةٍ شاذةٍ متكلفة الاستعارات؛ كقوله: "وطلاؤه مرمر بالدبر معجون بليلة القدر" وأحيانًا يأتي بتعبيرات في منتهى اللطف كقوله: "واختلسنا النوم من جفون الزهر" أو قوله: أورق من خفر في بكر".

وشعر النديم الموجود قليل، وهو كنثره الأدبيّ مصنوع متكلف، يشبه إلى حدٍّ كبيرٍ شعر أبي النصر وعلي الليثي، مع فارقٍ واحدٍ هو قوة السبك، ولكنه لا يختلف عن شعرهما في الصياغة والزخرفة والمعاني، ومن أحسن ما روي له قوله في الغزل:

<<  <  ج: ص:  >  >>