للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في أحمد عرابي يتمثل العنصر المصري الأصيل بصفاته الجسمية والخلقية، وفيه تركزت آمال الأمة وآلامها، وتعد ثورته أول ثورة مصرية واعية على الظلم الذي طال أمده، وتعد ثورة شعب لا ثورة فرد، ولم يكن أحمد عرابي إلّا لسان ذلك الشعب يعبر عن أحساسيسه، ويترجم عن أماله وآلامه، فاكتسب بذلك عداوة الخديو وآل بيته، وعداوة الأرستقراطية الكاذبة التي مكن لها بمصر، والتي كانت تتمثل في المماليك والجراكسة والأتراك، هؤلاء الذين كانوا ينظرون إلى الفلاح المصريّ بعين الزراية والاحتقار، وهم ينعمون بكده وثمرة شقائه، وعداوة الإنجليز الذين حاربهم, وأظهر خبث طويتهم وسوء نيتهم، والذين كانوا يتربصون بمصر الدوائر، ويدبرون لها المكايد منذ أن هزموا في معركة رشيد سنة ١٨٠٧.

نشأته وشخصيته:

تضافرت عدة عناصر على تكوين شخصية عرابي، وجعلته أصدق مَثَلٍ للفلاح المصريّ المكافح المضطهد، الذي يشعر بالظلم، ويأنف منه، ويطالب بالحرية والكرامة في قوة وصرامة.

ولد بقرية "هرية رزنة" بالقرب من الزقازيق سنة ١٨٤١, من أسرة تنتسب إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم، وتعتز بانتسبها إليه، وكان والده محمد عرابي على شيءٍ من العلم والدين, معروفًا بالتقوى, وكان فقيه القرية, يقرئ أطفالها القرآن, ويعلمهم مبادئ القراءة والكتابة، وعلى يديه تعلم ابنه أحمد حتى حفظ القرآن، ثم دخل الأزهر, ومكث به أربع سنوات، وعاد بعدها ليكدح في الحقل كما يكدح ذووه.

ثم شاء الله أن يعده لشيء آخر، حين أراد "سعيد" أن ينهض بالجيش، وأن يجند أبناء العمد والمشايخ وأعيان الفلاحين, وكان يميل إلى المصريين, ويعدهم أساس مصر, ولا سبيل إلى نهضتها إلّا بهم، فجند أحمد عرابي، وسرعان ما ظهر تفوقه، وترقى بسرعةٍ خاطفةٍ حتى وصل إلى رتبة "قائمقام" وهي رتبة لم

<<  <  ج: ص:  >  >>