للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يصل إليها فلاح قبله, وذلك بفضل ذكائه وطموحه، ويقول عن نفسه في تلك الأيام: "وكنت أطمع إلى منصب عالٍ يماثل منصب مديريتنا"١.

بيد أنه مكث في هذه الرتبة تسعة عشر عامًا, أي: طوال حكم إسماعيل كله، وذلك لأن إسماعيل كان على النقيض من سعيد, يؤثر الجراكسة بالترقية، ويزدري المصريين، وأحسَّ عرابي بالظلم, وابتدأ يطالب بحقه٢ فاضطهد، وكان رئيسه خسرو كما يقول عرابي "رجلًا جاهلًا، متعصبًا لجنسه الجركسيّ تعصبًا زائدًا على حد المعقول، متفانيًا في الحقد على إقصائي من مركزي٣" وفصل عرابي من الجيش ظلمًا وتعسفًا، ولكنه لم يستكن للضيم، وظلَّ يطالب بحقه, فعين في وظيفةٍ مدنيةٍ قام بشئونها في همةٍ وأمانةٍ, وجوزي عليها بالتقاعد من غير معاش "فيالله من أمر, وأصعب تلك المكافآت المقلوبة على النفوس الحساسة الشريفة، وما أكثر العجائب في الحكومات المطلقة المستبدة الظالمة"٤.

وثار عرابي، ولم يهدأ حتى أعيد للجيش، وشعر بمرارة الظلم وقسوته، زاده شعورًا باضطهاد المصريين اشتراكه وزملائه في حملة الحبشة، حيث لمسوا من قوادهم ضعفًا وخيانةً, ولم يجد هو وزملاؤه عطفًا من أولي الأمر, بل اضطهادًا لهم, ومحاباة للأجانب الذين اصطفاهم الخديو بالرتب والنياشين والجواري الحسان، والأراضي الواسعة الخصبة, والبيوت الرحبة، وحباهم بالأمور الكثيرة, والحلى الثمينة من دم المصريين المساكين وعرق جبينهم"٥.

كانت نشأته الريفية، وتربيته الدينية، وإحساسه بالاضطهاد؛ لأنه فلاح مصريّ, من أهم العناصر التي كونت شخصيته، أضف إلى ذلك أنه تأثر بكتاب أهدي إليه عن نابليون والثورة الفرنسية، وبقراءته في التاريخ العربيّ، وبخطبة ألقاها "سعيد" يشيد فيها بالمصريين وضرورة تربيتهم حتى ينفعوا بلادهم،


١ من تاريخه الذي قدمه إلى بلنت، التاريخ السري, ص٣٤٤.
٢ الرافعي: الثورة العرابية, ص٧٨.
٣ كشف الستار لأحمد عرابي, ص٢١.
٤ نفس المرجع, ص٢٢.
٥ نفس المرجع, ص٤٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>