للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويتسغنوا عن الأجانب, ويقول عرابي: إنه اعتبر هذه الخطبة أول حجر في أساس نظام "مصر للمصريين"١ وكان ياورًا لسعيد، ورافقه في رحلته للحجاز, وتأثر بآرائه في "المساواة بين الطبقات، وفي الاحترام الواجب للفلاح باعتباره العنصر الأساسيّ المجد في الجيش المصري٣".

وبدأ عرابي منذ عودته عن حرب الحبشة يعمل على توحيد صفوف الضباط المصريين في الجيش والتفافهم حوله، وإشعارهم بالظلم الواقع عليهم, وحرمانهم الترقية, بينما يتمتع بها سواهم من الأجانب.

ومن الصفات المميزة لشخصية عرابي شدة إيمانه، فلم يعرف عنه أن هذه الصفة فارقته حتى في أشد ساعات الضنك والشدة، وكان شديد التدين، حتى عرف بين الجند حنيئذ بالشيخ أحمد عرابي، ويقول عنه محمد عبده، وكان دائم الزراية به.

ما كان أحسنه شيخًا بزاوية ... يغشى النساء بوعظ كان يمليه٣

كانت العاطفة الدينية قوية جدًّا في نفسه، ولكنه لم يكن متعصبًا، وهذه العاطفة الدينية من خصائص الفلاح المصريّ، ولا سيما في تلك الأزمان، وكان عرابي يمجد الإنسانية عامةً, لا يتعصب تعصبًا أعمى، يقول بلنت بعد أن ذكر تمجيد عرابي للورد بيرون؛ لدفاعه عن حرية أهل اليونان: "وقد عنيت بذكر هذه النقطة لدلالتها على عطف عرابي على الإنسانية كلها، وعدم تفريقه في ذلك بين الأجناس والأديان٤. وكان بلنت يعد هذه الإنسانية في عرابي أحد عيوبه، وسببًا من أسباب إخفاقه في حرب الإنجليز٥, وإليها أشار "جريجوري" في حديثه معه، ومن الأسس التي أقام عليها "برودلي" دفاعه عن عرابي "مروءته وتطرفه في الإنسانية٦".


١ نفس المرجع, ص١٥.
٢ بلنت: التاريخ السري, ص٩٨.
٣ تاريخ محمد عبده لرشيد رضا, ج١ ص١٤.
٤ بلنت: ص٢٨٤.
٥ بلنت: ص٩٩، ١١٤، ١٢٨ وما بعدها.
٦ نفس المرجع ص٢٣٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>