ويتزودون من معينها، وينقلون من آثارها، على تعريب كل ما يفيدهم، لأصبحت اللغة العربية اليوم من أقوى اللغات على تمثيل الحضارة الحديثة, وإبرازها في صورها المتباينة، ولأخذت الكلمات المعربة صبغًا عربيًّا خاصًّا على مر السنين، وتركزت معانيها بكثرة استعمالها، وسهل على الجامعات العربية تدريس شتَّى العلوم وأحدث النظريات باللغة العربية.
ولكن واأسفاه؛ أبى الإنجليز حين دخلوا مصر إلّا أن يرغموها على تعلم لغتهم في مدارسها الابتدائية والثانوية والعالية, وصار حظ اللغة العربية من اليوم المدرسي ضئيلًا، ولم يفعل الإنجليز ذلك دفعةً واحدة، وإنما مهدوا له تمهيدًا بطيئًا..
دخل الإنجليز مصر في سنة ١٨٨٢، بعد أن ازداد نفوذ الأجانب، وقويت شوكتهم, وعظمت شركاتهم، وبعد أن فرضت الرقابة الثنائية, ودخل الوزارة المصرية وزيران أجنبيان، شعر المثقفون المصريون بتغلغل الأجانب في كل مصالح مصر، ورأوهم معتدين بلغاتهم وبجنسياتهم, وأن مدارسهم وإرسالياتهم تَجِدُّ في تدريس اللغات الأجنبية، ومن يتخرج فيها يكون له التفوق في ميادين الاقتصاد والسياسة، فأدى كل هذا إلى اهتمام مصر -حتى قبل الاحتلال الإنجليزي- بتعليم اللغات الأجنبية في مدراسها، وقد تقدَّم على إبراهيم ناظر المعارف في سنة ١٨٨٠ يطلب إنشاء مدرسة تُسَمَّى "دار العلوم التوفيقية" لتخرج مدرسين في اللغات الأوربية, وسائر العلوم الغربية، على غرار دار العلوم العربية؛ وكانت مدرسة الألسن لا تزال موجودة، ولكن ضعف التعليم فيها؛ إذ ألغيت منها اللغة التركية والألمانية، واقتصر على تعليم الإنجليزية والفرنسية والعربية، وفي سنة ١٨٨١ تقرر إنشاء مكتب للترجمة والتحرير, تولى إدارته حينئذ أديب إسحق الكاتب المشهور، ثم تحول هذا المكتب إلى مدرسة المعلمين الخديوية في سنة ١٨٨٩؛ كي تخرج مدرسين مصريين لتعليم اللغة الإنجليزية بالمدارس الابتدائية.