ولما ألغيت مدرسة الألسن أنشئ بدلها مدرسة الإدارة والحقوق سنة ١٨٨٦ -وكان غرض الإنجليز جعل الثقافة المصرية ثقافة ديوانية بحتة- وقد ظلت كذلك طويلًا, حتى بعد أن كفوا أيديهم عن التدخل في وزارة المعارف؛ لأن المشرفين على نظم التعليم بمصر كانوا متشبعين بمبادئ المدرسة الديوانية، ولذلك صار الموظف المصري عبدًا لوظيفته, إذا فقدها أو إذا خرج إلى ميدان الحياة، صار كالسمكة التي جفَّ من حولها الماء، وإنما اختطَّ الإنجليز هذا النهج حتى لا يفطن المصريون إلى الأعمال الحرة, والنهوض ببلادهم عن سبيل التجارة والاقتصاد، وينفرد بها الأجانب بعامةٍ والإنجليز بخاصة، وبحسب المصريّ أن يوفِّرَ لهؤلاء الدخلاء الطمأنينة والرفاهية والنظام، وله من الأجر لقيمات تقيم صلبه, وحياة دونها حياة الخدم والأجراء، أما الربح الوفير، والعيش الرغيد, والعربات الفارهة، والقصور الشامخة, والتجارة العالمية, فهي وقف على هؤلاء الأفاقين الذين دخلوا ديارنا ضيوفًا, فاستبدوا بثروتها المادية والمعنوية، وتبجحوا في معاملاتهم لأبناء البلاد، يمشون في تيه وخيلاء وصلف وكبرياء, حتى تنبهت مصر لهم، وكفت من غلوائهم، وألغت امتيازاتهم.
أجل! كان هذا بعض ما رسمه الإنجليز للشعب المصريّ، وأشرفوا على تنفيذه، فإن مدرسة الحقوق حينما أنشئت، قسمت قسمين: ابتدائي وعالي، يعد الابتدائي والمحضرين والمترجمين، وأصناف الموظفين لأقلام الكتاب والنيابة بجميع المحاكم، وأقلام الحكومة والوزارات، وشتّى المصالح التي تحتاج لأشخاص عندهم معلومات قانونية، ويعد القسم العالي لوظائف الكتاب في الدرجة الأولى والثانية, ووكلاء النيابة وما شاكل هذا.
ولم يفكر المستعمرون -طبعًا- في إنشاء المدراس التي تُعِدُّ شبان مصر لميدان الحياة العلمية؛ من تجارةٍ وزراعةٍ وهندسةٍ وصناعةٍ, وغيرها، وليتهم حافظوا على لغة البلاد، وهي مصدر عزتهم، ورمز وطنيتهم وقوميتهم، وإنما عمدوا في سنة ١٨٨٨ إلى الغض من شأنها، والحدِّ من تعليمها، وإفساح المدى أمام اللغات الأجنبية، وهاك ما أورده أمين باشا سامي في كتابه "التعليم في مصر خاصًّا