للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بهذا التحول الخطير, وهو في صورة تقرير مقدَّم من وزارة المعارف إلى الخديو: "إن تعليم اللغات الأجنبية التي لها في هذا العصر من الأهمية ما لا يخفى بمصر خاصَّةً، لم يأت إلى الآن في مدارسنا بالنتائج المطلوبة، وليس ذلك لتقصير من المعلمين، أو فتور في همتهم، فإنهم في الواقع أهلٌ لما عُهِدَ إليهم من الوظائف، غير أن الوقت المخصص لتعليم هذه اللغات غير كافٍ، حتى تكتسب التلامذة ملكة استعمال اللغة، ويسهل عليهم التكلم بها، وهو أمر لا يمكن الحصول عليه إلّا بعد تمرينٍ طويلٍ مستمرٍ، فلتلافي هذا الأمر بقدر الإمكان, تقرر أن مواد العلوم الجاري تدريسها للآن باللغة العربية, تعلم من الآن فصاعدًا بمعرفة مدرس اللغة الأجنبية, إما باللغة الفرنسية، وإما باللغة الإنجليزية، فإذا درس التاريخ والجغرافية والعلوم الطبيعية بلغات أجنبية, وضم هذا إلى تعليم اللغة المقصودة بالذات سهل نيل المقصود".

ثم ألغيت بعد ذلك اللغة الفرنسية من المدارس الأميرية الابتدائية، وحلَّت محلها اللغة الإنجليزية، وإن بقي للفرنسية بعض القوة والانتشار لكثرة المدارس التبشيرية التي تتخذها أساسًا للتعليم بمصر.

وفي سنة ١٨٩٨ رأت الحكومة -أو رأى المستعمر- أن يغير منهج مدرسة الطب، وأن يحول بينها وبين الرسالة العظيمة التي اضطلعت بأدائها منذ عصر محمد علي، ألا وهي نقل الطبِّ الغربيِّ الحديث إلى اللسان العربي المبين؛ فعين لها مدير إنجليزيّ, أدخل بعض الإصطلاحات فيها، واشترط لنجاحه في مهمته أن تكون لغة التدريس بالمدرسة هي الإنجليزية, فأجيب إلى طلبه، وعطلت الترجمة، وصار كل الأساتذة من الإنجليز وظلت الإنجليزية هي لغة الطب بمصر حتى يومنا هذا.

وإذا كانت اللغة العربية قد حوربت في كل معهد، واشتد ساعد اللغات الأجنبية, ولا سيما الإنجليزية، فقد استطاعت بما كمن فيها من قوةٍ أن تقف أمام المحنة، وأن تسترد سلطانها المفقود بعد لأي، وأن ترغم العدو الغاصب على الاعتراف لها بالحيوية، وأنه ليس من السهل القضاء على لغة ذات تاريخ مجيد، وتراث تليد، ودين سماويٍّ مكين كاللغة العربية.

<<  <  ج: ص:  >  >>