بأنواعه وطرقه، والعشق السافل, وما شاكل ذلك من نواحي الضعف الإنساني، ولا سيما وهي في المدنية الغربية المسمومة قد زحفت في صورة قصص مزرية بالأدب, مطوحة به في مهواة سحيقة، مضللة عقول النشء، ومفسدة لأهوئهم وأخلاقهم، وباعثة منازع الشر والإجرام على طريقة رعاع باريس, وغوغاء لندن، وصعاليك برلين, وشطار نيويورك وشيكاغو، من أمثال:"اللص الشريف" و"جونسون"، و"ملتون توب" و"طرزان": وغير ذلك مما لا يخرج عما كان متداولًا في مصر إبَّان عصور الضعف من قصة "أحمد الدنف""ودليلة المحتالة" ومغامرات العيارين والشطار، وإن اختلف اللون والزمان والحوداث، ولكن الفكرة واحدة، والنهج متشابه، والغاية السلوى وقتل الوقت، وتملق النزعات الدنيا. وأين هذا من الأدب؟
وظل هذه الفيض من السخف يغمر المطابع العربية حتى قامت الحرب العالمية الأولى، واستمر بعدها ولا زال للآن، ولكنا نكتفي بتتبعه عند هذا الحد، ولنا في الكلام عن القصة ومنزلتها في الأدب عودةً قبل أن نفرغ من هذا الفصل -إن شاء الله، وحسبنا أن نقول هنا كلمةً طالما رددناها في هذا النوع من الاتجار بعقلية الجماهير: لقد تفتحت أعيينا في الصبا, فإذا نحن في بيداء موشحة, نخبط في دروب ملتوية, ونعرج يمنة ويسرة, بعيدين عن جادة الحق، وأبواق الثقافة الدخيلة يقودون القافلة إلى مصرعها الوخيم، وينفثون فيها السموم المخدرة حتى تستكين لهم وتسلم قيادها, وهي في غفلة عما انطوت عليه جوانحهم، جاءوا وهي ترزح تحت أصفاد الجهل والانحلال، وأرادوا مسخها وتشويهها، حتى تتناسى ماضيها, وتفقد ما كمن فيها من عزة وأنفة.
جاءوا بقصص خليع يثير الشهوة، ويقتل الحياء، ويلطم وجه الفضيلة والشرف، يوحي بالإجرام والفسق، وجاءوها بمهازل تمثل على المسارح باسم الفن، وأدب موبوء يزلزل العقيدة، ويخدش وجه العفاف, ويعرض على الناس باسم القصة، إنه أدب نغل، ورود آسن, وغذاء عفن, التقطه من يتجرون بعقلية الجماهير، ومن وقعوا وقوع الذباب على الفضلات الفاسدة من نفايات الحضارة الأوربية, وقدموه لقونهم في شكل زريّ.