وقد وجد الإنجليز بجانب هؤلاء أقلامًا أخرى تناصرهم لنفورهم من الظلم التركي؛ مثل: ولي الدين يكن، مع أنه كان تركيًّا صميمًا لا يبغي بتركيا بديلًا، ولكنه كان يحب الإنجليز لحمايتهم -فيما يزعم- الأحرار، وقد مر بك كيف اجتذبوا إليهم الشيخ محمد عبده، وإن لم يكن من صنائعهم، ولكنه كان من المحتمين بهم, المستظلين بظلهم, وقد استطاعو أن يطلفئوا تلك النار الملتهبة التي يصبها عليهم الشيخ علي يوسف وشيعته في المؤيد، وأن يسكتوا تلك الأقلام القوية التي تصور في جرأة وقوة فظائعهم, وتملأ القلوب إحنًا وبغضاء عليهم١، ولكن لم يستطيعوا مع كل هذا أن يجعلوا من المؤيد بوقًا يدعو لهم, وسنعود إليه بعد قليل.
وبذلك انقسمت الصحافة قسمين؛ قسم يشايع تركيا, وفي الغالب يدعو للخديو ويناوئ الإنجليز، ويندد بالاستعمار, إما مدفوع بالولاء الديني، أو الكراهة للإنجليز, أو بتحريض دولة أجنبية؛ مثل: الأهرام وفرنسا، وقسم يدافع عن الإنجليز ويذيع مساوئ العهد التركي، ويترنم بنعمة الاحتلال، وينتقص المصريين وعلى رأسهم الخديو، ويتمثل في جريدة المقطم, وفي بعض الأقلام التي فتنها بريق الحرية الكاذبة التي لوح بها الإنجليز.
١ وقد قال في هذا التغير حسين شفيق المصري صاحب "المباحث السياسية": "المؤيد الذي يقرأ الآن غير المؤيد الذي كان المصريون يحبونه, والشيخ علي يوسف صاحب المؤيد الحاضر غير الشيخ علي يوسف الذي حمل على الأعناق بعد حكم قضية التلغراف المشهورة, فقد تغيرت الحال مع الصحيفة وصاحبها، والبون بعيد بين اجتماع الوطنيين لتوقير أم الصحف وأبي الصحفيين, وبين إجماعهم للنداء بإسقاطهما في الحضيض الأسفل، وليس الإقرار بهذه الحقيقة من الأمور التي تسر الوطنيين" راجع تاريخ الصحافة العربية "للفيكونت فيليب دي طرازي" ج٣ ص٣٨.