للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأكبر ظاهرة تستحق منا العناية قبل أن نفرغ من هذا الجزء ظهور جريدتين إسلامتين كان لهما شأن عظيم في تاريخ مصر، وفي توجيه الحركة والإصلاح الاجتماعي, وقد أشرنا إليهما فيما سبق إشارات عابرة, ولكن سنخص المؤيد هنا بكلمة؛ لأن الصحافة اليومية المشهورة بمصر كانت إلى ظهور المؤيد واللواء سورية تتحكم فيها نزعات وأهواء متباينة، وأما اللوء فله شأن آخر, وموعدنا به في الأجزاء التالية -إن شاء الله؛ لأنه أنشيء في السنة الأخيرة من القرن التاسع عشر، والكلام عنه يطول.

المؤيد:

والفضل في ظهور المؤيد يرجع إلى سياسة الإنجليز واصطناعهم أصحاب المقطم، فإن هذا أثار حفيظة الوطنيين، فتقدم الشيخ علي يوسف١ صاحب مجلة الآداب لإخراج المؤيد, جريدة وطنية مصرية, وشجعه رياض باشا وكثير من زعماء مصر٢، وغدت المؤيد ميدانًا تتألف فيه الأقلام الوطنية الجريئة, تثيرها حربًا شعواء على الاستعمار الإنجليزي وعلى الأجانب الذين يناصرونهم، ونازلت المقطم نزالًا عنيفًا مرًّا، فما لبثت أن راجت حتى صارت أقوى جريدة عربية في الشرق العربي كله، وفسحت صدرها لمصطفى كامل ولفئة صالحة من كتاب الشباب، وتلاميذ جمال الدين ومحمد عبده٣, وعنيت بالمسائل الوطنية في جميع نواحيها، وبالأمور الإسلامية، ولم يستطع الإنجليز أن يعطلوها كما عطلوا


١ الشيخ علي يوسف صاحب المؤيد، ولد بقرية بلصفورة بمدينة جرجا سنة ١٨٦٣, من أسرة شريفة أخنى علهيا الدهر، ودرس في الأزهر مدةً إلّا أن ميله الأدبي صرفه عن إتمام دروسه به، وأنشأ في سنة ١٨٨٧ "مجلة الآداب" أسبوعية في ثماني صفحات، ولكنها اهتمت بالدراسات القديمة، وحررت بأسلوب يعلو على جمهرة القراء، فتعثرت في خروجها، ثم أسس جريدة المؤيد في أول ديسمبر سنة١٨٨٩، فكانت أول جريدة مصرية يومية كبيرة، وراجت رواجًا عظيمًا, وفي سنة ١٩١٣ أسند للشيخ علي ييوسف مشيخة السادة الوفائية، فاستقال من جريدته، ومات بعد ذلك في سنة ١٩١٣, وكان الشيخ "علي " قوي العزم, أديبًا متلافًا وقد أثار زواجه من بنت السيد عبد الخالق السادات ضجةً عظيمةً؛ لأن السيد عبد الخالق عده دونه في الحسب والنسب، وشغلت الصحف بذلك وقتًا طويلًا، وقد رمي بالتعصب الديني، ولكنها تهمة يشيعها من لم يفهموا سياسة ذلك الوقت, والعوامل التي حركت الصحافة, والدوافع التي جعلت من بعض المسلمين متعصبين, وسنخصه بترجمة مطولة في أحد الأجزاء التالية -إن شاء الله, على أننا ترجمنا له ترجمة وافية بمجلة الكتاب, عدد يولية ١٩٤٨, وفي كتابنا "دراسات أدبية".
٢ راجع تطور الصحافة لإبراهيم عبده ص١٥٢.
٣ من كتاب المؤيد المشهورين بجانب صاحبه، جميل مدور، وعبد الحميد الزهراوي، والشيخ عبد القادر المغربي، ومحمد كرد علي، ومحب الدين الخطيب، والمنفوطي، وحافظ عوض, ومحمد أبو شادي، وإمام العبد وسليمان فوزي "صاحب الكشكول".

<<  <  ج: ص:  >  >>