هذا ما كان من سعي فرنسا في نشر لغتها، وتقوية نفوذها بمصر! أما إنجلترا فقد أدركت أهمية مصر منذ أن غزاها نابليون ووثقت من أن دولة قوية مثل فرنسا تستطيع أن تحول بينها وبين مستعمراتها في الشرق الأقصى إذا استقرت بوادي النيل: ولذلك عملت إنجلترا جهدها على إخراج نابليون وجنده من مصر، وكانت موقعة أبي قير المشهورة. وكم تمنت إنجلترا بعد ذلك أن تبسط سيادتها على هذه الديار الغنية. التي تتوسط العالم، وأرادت بادئ الأمر أن تكسب ثقة تركيا بها، وأن تعمل على أن يستقل المماليك بشئون البلاد، وتتولى هي حماية شواطئها الطويلة، بيد أن هذه المحاولة باءت بالإخفاق. ولما لم تجد بدأ من القوة لتحقيق بغيتها غزت مصر سنة ١٨٠٧ بقيادة "الجنرال""فريزر"، ولكن الشعب المصري وأهل رشيد تصدوا لهذا الغزو الذي لا مسوغ له إلا الجشع الاستعماري، وهزم الإنجليز هزيمة منكرة برشيد في تلك السنة، وبذلك استراحت مصر من الإنجليز وطمعهم خمسة وسبعين عامًا١. حين دخلوها بعد الثورة العرابية متذرعين بأسباب سخيفة بادية الضعف والطمع.
وظنت إنجلترا حين منيت بهزيمة رشيد أنها تستطيع أن تنشر نفوذها عن طريق الإرساليات التبشيرية والتعليمية كما فعلت فرنسا، وأن تمهد لها الإرساليات سبيل التدخل السافر في شئون مصر، كما مكنت لها شركاتها التجارية غزو الهند واحتلالها، فأرسلت أول بعثة تبشيرية إلى مصر سنة ١٨٤٠، وجاءت البعثة الإسكتلندية البروتستانتية وفتحت لها مدرسة بالإسكندرية، وتلتها بعثة أخرى سنة ١٨٦٠ برئاسة "مس وتلي" كريمة رئيس أساقفة "دبلن"، ووهبت هذه الفتاة حياتها ونشاطها للمهمة التي اغتربت من أجلها وسعت جهدها للنجاح في تعليم الفتاة المصرية، وأسست مدرسة بالقاهرة لهذه الغاية ولاقت صعوبات جمة، وعناء شديدًا في حمل المصريات على الاستجابة لندائها، ولكنها صابرت وثابرت، من غير أن تعرف التبرم والسخط والملل عشر سنوات كاملة
١ تاريخ مصر السياسي لمحمد رفعت "باشا" جـ ١ ص ٩٢- ٩٣.