الشعوب واستغلالها، وعلى رأسهم ذلك الداهية السير "إدفالين بارنج" الذي عرف فيما بعد باسم "اللورد كرومر"، والذي حكم مصر أربعة وعشرين عامًا إلى أن أخرج منها سنة ١٩٠٧.
كانت مصر ترزح تحت وطأة الديون الثقيلة التي أرهقها بها إسماعيل، والتي اتخذها الغربيون ذريعة لبسط نفوذهم المالي عليها وقد جاء "كرومر"، ومصر في عجز عن تسديد ديونها، فأحكم تدبير المال، وأخذت مصر في سنة ١٨٨٩ تسدد أقساط تلك الديون التي جعلت للأجانب امتيازات بهذه الديار صيرتهم السادة المترفين، وأصحاب الجاه والسلطان وجعلت أهلها أدنى من الإجراء والخدم، أذلاء مضطهدين. ولم تستطع مصر أن تتخلص من هذه الديون على الرغم من عبقرية "كرومر" المالية إلا في سنة ١٩٤٢.
وكما كانت حال مصر المالية بالغة السوء، فإن أحوالها الاجتماعية كانت أشد سوءًا. وقد ذكر "كرومر" في كتابه مصر الحديثة "Modern Egypt" ما قدمه لمصر في هذا الميدان، وهاك طرفًا من قوله يمن به على مصر والمصريين:
"لقد سرت بالتدريج روح جديدة إلى سكان مصر، وتعلم الفلاح كيف يمعن النظر في حقوقه، وتعلم الباشا أن لمن يجاوره من الفلاحين حقوقًا يجب احترامها، وعلى الرغم من أن السوط كان لا يزال معلقًا على جدار المديرية فإن المدير لم يجرؤ على رفعه واستعماله فوق ظهر الفلاح.
وقد اختفت السخرة البغيضة من مصر، وذهب الرق عمليًّا من الوجود، وانقضى أجل الأيام السعيدة التي كان يتمتع فيها المرابون باستنزاف دماء المصريين، وأصبح للقانون الكلمة العليا في كل مكان بعد أن كان القضاء يباع ويشترى، وابتدأ المصريون يحبون أرضهم ويعملون بها بعد أن كانوا يحتقرونها؛ لتمنحهم هباتها وخيراتها فاستجابت لدعوتهم كريمة معطاءة.
وقد أحكم توزيع مياه النيل بالعدل والقسطاس المستقيم بين أرض الأمير الكبير والفلاح الصغير، ونظمت وسائل النقل واتسع نطاقها وأصبح المرضى