للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الطفل، ودراسة ميوله وغرائزه، وتنمية ملكاته إلى أقصى حد تستطيع أن تصل إليه، استطاعوا بفضل ذلك كله أن يكونوا في طليعة الأمم، وأن تتسع إمبراطوريتهم وتجارتهم، ولم يرضوا بالحياة الضنكة في ديارهم إذا قتر عليهم في أرزاقهم، بل جابوا البحار، والصحاري، والغابات، واستوطنوها واستغلوها، ثم لما كثرت مصالحهم طالبوا دولتهم بحمايتهم، فبسطت سلطانهم على كثير من بقاع الأرض.

ولقد كانت التربية في إنجلترا موضع تقدير من مفكري أوربا، ولا سيما فرنسا التي يعامل فيها الطفل منذ حداثته معاملة الرجال، فيغشى مجالس الرجال، ويستمع إلى أحاديثهم التي يجدر به ألا يسمعها، والتي لا يصح أن يستمع إليها، ويقضي معهم سهرته في الوقت الذي يجب أن يأوي فيه إلى فراشه، ويلبسه أهله السراويل الطويلة تشبهًا بالرجال، وهو في أمس الحجاة إلى الهواء والشمس، وعلى العموم لا يعاملونه معاملة طفل ينمو، له رغباته التي يجب أن تحترم في حدود المعقول، ويجب أن توجه برفق إلى الخير، ولا يتركونه للطبيعة يتملى من محاسنها، ومفاتنها، ويتلقى عنها دروس الحرية والكرم والشجاعة١، وإنما يعاملونه معاملة رجل مثلهم. كانت التربية الاستقلالية هذه معمولًا بها في إنجلترا على الرغم من أن إنجلترا لم تشتهر بعلماء التربية والنظريات التربوية كما اشتهر سواهم من الأمم.

ومما يدل على تقدير المفكرين لتربية النشء في بلاد الإنجليز ما قاله العلامة: "جوستاف لوبون" من: "أن المبدأ الأساسي في التربية التي يسير عليها الإنجليز هو أن يقضي النشء زمن الدراسة في المعاهد والمدارس والكليات، لا ليؤديه سواه، ولكن ليتعلم إلى الحد الذي يمكنه من أن يستخدم استقلاله الذاتي استخدامًا نافعًا، فالنشء لديهم يؤدب نفسه بنفسه وبذلك يتصف بهذه الخلة الحميدة ألا وهي ضبط النفس، وهي مصدر الحكم الذاتي"٢، وعلى العكس من ذلك كله كانت سياستهم التعليمية في مصر.


١ انظر كتاب "التربية الاستقلالية" أو إميل القرن التاسع عشر، ترجمة عبد العزيز محمد وراجع سر تقدم الإنجليز السكسون ترجمة فتحي زغلول.
٢ GUSTAVE LE BON, PSYCHOLOGIE DU SOCALISME P. ١٩٧

<<  <  ج: ص:  >  >>