للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الذي يدفع إليه أجرًا ويتقاضاه عملًا، فصانعه وخادعه، وقامت التهمة بينه وبين رئيسه مقام الثقة، وقام الخوف والشك بينهما مقام الأمن واليقين: ولم يعد ينظر إلى التلميذ على أنه أمانة قد أؤتمن عليها، ووديعة قد كلف حمايتها وحياطتها، وفرد من أفراد الشعب قد كلف تربيته وتنميته، وتعهده بالرعاية والعناية، حتى ينمو ويزكو ويصير رجلًا، وإنما ينظر إليه على أنه مادة للعمل الذي يعيش منه، وموضوع للنشاط الذي يكسب منه القوت، فيعامله معاملة المادة الجامدة الهامدة، لا معاملة الكائن الحي، ولا معامة الإنسان الناطق"١. ويصوغ هذه المادة كما يجب أن يكون هذا الرئيس لا كما يجب أن تكون. ويصبح هذا المعلم آلة من الآلات، وأداة من الأدوات في هذا المصنع العقيم السخيف الذي نسميه المدرسة.

وإليك ما يقوله مستر "بويد كاربنتر": "على المستر دانلوب" تقع تبعة فساد التعليم المصري، والرجوع به القهقرين وإخراج موظفين جل اعتمادهم في أثناء دراستهم على الاستظهار والحفظ، لا على القوى العقلية السامية الأخرى: من التعقل والموازنة، والابتكار، والاستنباط. وقال: إن الطالب المصري يعتمد في تحصيله على ذاكرته، وعلى التكرار الآلي للحقائق المحفوظة، لا على ذكائه وتفكيره، فينشأ عن ذلك ضيق أفقة، وجهله بالحوادث المعاصرة، وحاجته الشديدة للمعلومات العامة وللسرور والإقبال على ما يدرس٢.

لم يكن "دانلوب" مخلصًا لمصر، بل كان استعماريًّا من النوع الذي يسيئ لبلده وللبلد المحكومة على السواء، فسياسته التعليمية لم تكن هي التي تنتهجها إنجلترا في تعليم أبنائها، وتربية شبابها؛ لأن الإنجليز قد اشتهروا بنوع من التربية فيه كثير من المزايا، التي تبعث في الشباب الحرية في العمل والتفكير، والاعتماد على النفس، والمغامرة في الحياة وارتياد مجهولاتها؛ وبفضل هذه التربية الاستقلالية التي لا تجدها نظم مدرسية صارمة، ولا قوة قوانين ظالمة ولا مناهج غاصة بالتافه من المعلومات، وإنما عمادها الطبيعة، طبيعة الوجود، وطبيعة


١ مستقبل الثقافة في مصر للدكتور طه حسين ص ١٧٠- ١٧١.
٢ تقرير م مستر بويد كاربنتر BOYED CARPENTER رئيس التفتيش بوزارة المعارف سنة ١٩١٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>