في مصر، والأمل الذي يجمع له كل قواه. وفي ذلك يقول مستر:"مان" في تقريره لوزارة المعارف: "ليس في العالم على الأرجح قطر يتمتع فيه موظف الحكومة بمنزلة كبيرة بين الأهلين كالتي يتمتع بها الموظف بمصر؛ وقد لا يوجد في أي بلد آخر آباء يصحون بالشيء الكثير في سبيل جعل أبناءهم موظفي حكومة بأي شكل كان"١.
ولم تكن هذه الغاية وحدها هي كل ما جناه الإنجليز على التعليم بمصر، بل إن مستر دانلوب، الذي أسلمه كرومر قيادة التعليم في مصر سنة ١٩٠٦ قبل أن يغادرها، قيد التعليم بقيود شنيعة من القوانين الصارمة، لا يحيد عنها، ولا يعرف سواها، وأكثر من حشو أدمغة التلاميذ بشتى المعلومات المفيد منها، وغير المفيد وصار المعلم في المدارس آلة صماء أمام القانون، وصار التلميذ آلة في يد المعلم، وفقد كلاهما شخصيته وصارت المدارس أشبه بالسجون، والهم الأكبر الذي يشغل التلميذ، والمدرس، وناظر المدرسة، ووزارة المعارف وعلى رأسها "مستر دانلوب" هو نجاح التلميذ في الامتحان. أما أن تعني وزارة المعارف، وتعني المدرسة معها بشخصية التلميذ، ودراسة مواهبه واستعداده، وتحسس ميوله، وتصقل خلقه، وتنمي ملكاته العليا فذلك أمر لا يخطر لوزارة المعارف، ولا لمستر دانلوب ببال، ولو كان خطر له ما قدم عليه؛ لأنه كان يريد إخراج جيل مشوه التعليم، لا يصلح للحياة الحرة الكريمة.
لقد قيد مستر دانلوب المعلمين بقيود سخيفة وضعها في قانون نظام المدارس، وهذا دليل على أنه لم يكن يثق في هؤلاء المعلمين، وأول ما يجب على المهيمن على شئون التعليم أن يثق بالمربي والمعلم، فإن لم يعفل هذا، وأبى إلا أن يندس بين المعلن وتلميذه في كل لحظة، ويشعره بأنه من ورائه يقيد أنفاسه ويحصي أخطاءه منها ما صغر منها وما كبر، أفسد عليه أمره، وأفسد التعليم كله، وصار المعلم ينظر إلى هذا المهيمن على التعليم نظرته إلى الحاكم المستبد
١ مستر "مان" خبير إنجليزي في التعليم استقدمه الأستاذ على الشمسي وزير المعارف كما استقدم مستر "كلاباريد" السويسري الخبير بشئون التعليم، وقدم كل منهما تقريرًا لوزارة المعارف سنة ١٩٢٨.