للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أجل! بدأت اللغة العربية تساير ركب الحياة وتعني بالمصطلحات العلمية التي زودها بها هؤلاء العلماء الأجلاء الذين عكفوا على الكتب العربية القديمة ينقبون فيها عما عساه يصلح للحضارة الحديثة؛ فإن استعصى عليهم شيء عربوه، أو وضعوا له كلمات.

رأى كرومر هذا الأثر الجليل الذي يتركه رجال البعثات في مصر، فعز عليه أن تظل هذه النافذة التي ينسكب منها نور العلم على ربوع وادي النيل مفتوحة، وهو الذي يريد أن يمكن للاستعمار في هذه الديار، ولن يتأتى له ما يريد إلا إذا ظلت مصر في ظلام دامس، تتخبط في طريق مضلة، متخلفة عن ركب المدينة، لا تجد لها قائدًا رشيدًا ولا تسمع رأيًّا سديدًا فيوجهها الغاصبون كما يشاءون: ولهذا أرغم الحكومة المصرية على إلغاء البعثات إلى فرنسا؛ فصدر بذلك قرارها في أواخر أغسطس سنة ١٨٩٥، وكان لهذا القرار ضجة صاخبة في الجرائد المصرية والفرنسية على السواء١.

ولقد نجم عن هذه السياسة الاستعمارية البغيضة أن ضعف نفوذ اللغة العربية على مر الأيام حتى تجني عليها بعض ساستهم، ورماها بالفقر والعقم، وفي ذلك يقول "اللورد جراي" حين سئل في مجلس العموم البريطاني عن تعليم اللغة العربية بمصر: "لا تصلح اللغة العربية اليوم لتعليم العلوم إذ تفتقر إلى الاصطلاحات العلمية والفنية"٢. ولست أدري كيف ينتظر الإنجليز من اللغة العربية أن ترقى، وتعني بالمصطلحات العلمية والفنية، وقد أوقفوا تيارها المتدفق وحالوا بينها وبين العلوم الحديثة في بلاد الغرب؟؟.

وكان من الطبيعي كذلك أن يتناقص عدد المثقفين الذين يستطيعون التدريس بالمعاهد المصرية العالية، فحل محلهم إنجليز يلقون دروسهم بلغتهم، دون أن يكلفوا أنفسهم مشقة الترجمة، أو أن تكون ثمة واسطة بينهم وبين الطلبة كما كان الشأن في عهد محمد علي. ولم يكن الطلبة المصريون قد حذقوا اللغة الإنجليزية إلى الدرجة التي تمكنهم من فهم ما يلقى عليهم لأول وهلة، ولذلك


١ راجع المؤيد عدد سبتمبر ١٨٩٥، ومصطفى كامل لعبد الرحمن الرافعي طـ ثانية ص ٦٠.
٢ جريدة اللواء ٣ مارس ١٩٠٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>