للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لجئوا إلى الحفظ والاستظهار، كي ينجحوا في الامتحان وصاروا آلات صماء لا تفكر ولا تعي، ولا تقدر على الابتكار أو التجديد، وبعد كل هذا نسمع من أحد علمائهم وهو السير "وليام ولكوكس" المهندس المشهور يقول في طلبة مدرسة الهندسة: "لقد كنا نؤمل خيرًا كثيرًا في طلبة مدرسة الهندسة في الأيام الأخيرة، بيد أنهم لم يبتدعوا شيئًا ذا بال، وكل ما عملوه أنهم نقلوا أفكار من كانوا أسعد منهم جدًّا، وتعلموا دروسهم. وقرءوها في كتبهم"١.

وطالما ألح المصريون على الإنجليز في أن تستأنف البعثات العلمية طريقها إلى أوربا، ولكنهم كانوا يجيبون في غطرسة بالغة: بأن المصريين ليسوا أهلًا للتدريس بالمعاهد العالية، ولو تلقوا علومهم في معاهد الغرب، ولم يكتفوا بهذا بل عبثوا بمدرسة المعلمين "الخوجات" التي كانت تعد المصريين لتدريس اللغات الأجنبية، والرياضة والعلوم "النورمال فيما بعد"، وصاروا يفتحونها عامًا، ويلغونها عامًا، فأصبح لا يقصدها إلا كل مرتاب في مستقبله، عالم أن منتهى أمره أن سيكون معلمًا صغيرًا في مدرسة ابتدائية بمرتب يتناول مثله كاتب بسيط في أحد الدواوين٢. ولما لم يجد الإنجليز من المصريين من يصلح للتدريس في المدارس الثانوية -بعد أن حالوا بينهم وبين الاستعداد لتلك المهمة- تذرعوا بذلك، وملئوا المدارس الثانوية بالإنجليز، وكان من الطبيعي أن تحول الكتب من العربية إلى الإنجليزية. بل إنهم فرضوا على تلامذة المدارس الابتدائية أن يتعلموا اللغة الإنجليزية، وجعلوا إتقان هذه اللغة شرطًا للتوظف في الحكومة، وأرغموا المرحوم على باشا مبارك على أن يصدر قرارًا في سنة ١٨٨٩ ينص فيه على أن تكون لغة التعليم في المدارس المصرية هي اللغة الإنجليزية.

وظل على هذا المنوال ردحًا غير قصير من الزمن، والمصريون يلحون في عودة اللغة العربية إلى المدارس المصرية، والإنجليز يصمون آذانهم، ويسيرون لطيتهم حتى بلغ التذمر غايته في سنة ١٩٠٨، وندد عقلاء المصريين بهذه السياسة المعوجة التي تهدف إلى القضاء على اللغة العربية، وحرمان مصر أقوى دعائم شخصيتها المتميزة بها عن سواها، وفي ذلك يقول عثمان "باشا" غالب:


١ sir william willcocks: syria. egypt, north africa and multa speak punie, not arabic. ١٣ london ١٩٢٦.
٢ الشيخ على يوسف: المؤيد ٢ مارس ١٩٠٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>