للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"عرف الإنجليز أن أحسن واسطة لمحو وجود الشعب، واستقلاله، أي لقتله أدبيًّا، هو محو لغته الوطنية أو إضعافها، ألم يعرف ذلك الإنجليز المحبون للتوسع في الملك من التواريخ القديمة؟ إنهم عرفوه، ولكن يبلغوا إلى هذا الغرض ساروا تحت رداء الشروع في الإصلاحات. فألفوا الجمعيات، واللجان عقب اللجان، بمهارة وفكر، وكانت نتيجة مناقشتهم أن قرروا أمورًا كانت مكتوبة ومسجلة من قبل، ويكفيني لإثبات هذا الأمر للناس أن أحول أنظارهم إلى تلك الطرق التي اتبعوها لمحو اللغة الفرنسية من مدارسنا١.

ولا جدال في أن وقف البعثات إلى فرنسا قد أضعف نشر الثقافة الفرنسية في البلاد، وبخاصة على أيدي هؤلاء الذين كانوا يغشون معاهد فرنسا ويعودون حاملين لواء الثقافة الفرنسية، ولما أبرمت معاهدة سنة ١٩٠٤ بين إنجلترا وفرنسا، تلك المعاهدة التي أطلقت يد إنجلترا في مصر، على أن تخلص مراكش لفرنسا، هدأ بال الإنجليز نوعًا ما؛ لأن فرنسا كانت متزعمة مناهضتهم بمصر؛ وطالما رأى فيها طلاب الحرية من المصريين نصيرًا قويًّا يفسح لهم صدره، ويشجعهم في صحفه وأنديته٢. وقد شجع ذلك مستر "دانلوب" بعد أن عين مستشارًا للمعارف على أن يقوض آخر المعاقل الفرنسية في المدارس المصرية، فأخذ في مضايقة "مسيو لامبير" ناظر الحقوق، حتى اضطره إلى التخلي عن وظيفته وعين بدلًا منه مستر "هيل" الإنجليزي، وفي ذلك يقول "ميسو لامبير" منددًا بسياسة دانلوب ومظهرًا عوار طريقته في التعليم:

"وقد حارب المستر دانلوب تقدم التعليم الفرنسي في مدرسة الحقوق بلا تبصر، على حين أن تعليم الحقوق في هذه المدرسة لا يزال تعليمًا فرنسيًّا، ما دامت قوانين البلاد لم تغير تغير كليًّا. وقد مثل رواية مضحكة للتعليم العالي في مدرسة الحقوق فوقف تعيين ما يحتاج إليه القسم الفرنسي من الموظفين، وحجته في ذلك أن مصير هذا القسم إلى الزوال في القريب العاجل، وطرد من القسم الأكبر وهو الذي تدرس فيه الحقوق الفرنسية باللغة الإنجليزية الأساتذة الأكفاء الذين قاموا بأمره في مبدأ تأسيسه، وهم من القضاة الذين


١ مقالة النهضة المصرية ومسألة التعليم -عثمان باشا غالب- اللواء ٦ مارس ١٩٠٧.
٢ راجع تاريخ مصطفى كامل لعبد الرحمن الرافعي ص ١٦٩ ط ثانية.

<<  <  ج: ص:  >  >>