للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المصرية في سنة ١٨٨٩، ولكننا رأينا العكس، إذا اشتد الإقبال على هذه المدارس١ حتى صار عددها مائة وعشرين مدرسة بها ما يزيد عن اثنين وأربعين ألف تلميذ وتلميذة، ولم تفلح كل الوسائل التي قدمها الإنجليز لجذب الأجانب المقيمين بمصر للإقبال على مدارسهم؛ وذلك لأن معظم اقتصاديات مصر كانت في أيدٍ فرنسية، وكانت لا تزال هي اللغة السائدة في السوق المصرية، ولذلك قال أحد علمائهم داحضًا مزاعم هؤلاء الذين تنبئوا بتقلص ظل الثقافة الفرنسية من مصر: "لا حجة لما يقول به المتشائمون من أن نجم فرنسا في مصر قد أفل، وأن لغة أخرى حلت محل الفرنسية في عاصمتي تلك الديار -القاهرة والإسكندرية- وما عليك إلا أن تسير بالشواع الكبرى، حتى تتحقق من ذلك وتسمع بأذنيك باعة الصحف ينادون بأسماء أكثر الجرائد اليومية انتشارًا مثل: "لا بورص إجبشيان، والجورنال دي جيبت، والجورنال دي كير". وإذا شاهدنا عن بعد شخصين مختلفي الجنسية يتحدثان، فتأكد أن الحديث بينهما يدور باللغة الفرنسية فهي اللغة الغالبة، كما أنها لغة السياسة ولغة القضاء؛ لأن تسعة أعشار القضايا التي تعرض أمام المحاكم المختلطة تستعمل فيها اللغة الفرنسية٢.

لقد كان هذا الصراع بين الفرنسية والإنجليزية على حساب اللغة العربية، فأضعف شأنها، وكاد يؤدي بها لأن الطبقة المثقفة من أبناء الأمة الذين كان يرجى منهم العمل على إحياء اللغة العربية والنهوض بها، صاروا لا يرونها في المدارس إلا لمامًا وأصبحت لغة التعليم لديهم هي اللغة الإنجليزية، وبذلك أحجم كثير من العلماء عن التأليف باللغة العربية كما أن الطلبة عمدوا إلى الحفظ والتقليد في المدارس، وكانوا أبعد الناس عن الابتكار والاستقلال في الرأي؛ لأن هذه اللغة التي فرضت عليهم كانت أجنبية عنهم ولم يجدوا حيلة للنجاح في الامتحان، إلا أن يحفظوا دروسهم بالإنجليزية حفظًا، ولم يفهموا. أضف إلى كل هذا حرمان مصر من البعثات والتعليم العالي الصحيح؛ لأن التعليم العالي الذي كان موجودًا حينذاك


١ راجع المؤيد في ٦ مارس ١٩٠٧. ومناقشة مجلس النواب الفرنسي للتصديق على معاهدة "منترو" في الأهرام ١٠ يونية ١٩٣٧.
٢ lecarpeniter: l egypt modeern: p. ١٩٥- ١٦٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>