للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فرض على الطلبة أن يستقوا العلم من منيع واحد لا يحيدون عنه ولا يعرفون سواء ويتقيدون بوجهة نظر واحدة، ولا يسمعون لها مناقشة أو نقضًا. وهيهات أن يجدي مثل هذا التعليم في تكوين ملكة البحث أو الابتكار، أو التعمق في المادة أو الوقوف على أسرارها.

ولقد كان لكل هذا أثر في الأدب الحديث ونهضته: إذ أوقفت اطراد نموه، واكتمال قوته، وجعلته لا يجد سبيلًا للتقدم إلا بتقليد الأدب العربي القديم وحده، لولا بعض أمثلة قليلة ترجمت في تلك الحقبة من الآداب الغربية، لذلك يقول هيوار: ما فتئت اللغة العربية غارقة في الاستعمارات القديمة، وهي لا تستعمل إلا مجموعة من التعبيرات التي لا يتأتى فهمها إلا لأهل الثقافة، مما يحول دون اتصالها بجمهرة الشعب لتحدثهم بما يفهمون فالمقالة السياسية. ومرادفاتها الرامية إلى محاكاة مقامات الحريري إلا فكاهة للقارئ المثقف يتسلى بها. نود أن تأخذ اللغة العربية في المستقبل بجلاء التعبير، وببساطة الأسلوب، فإذا جاء يوم تتحقق فيه هذه الأمنية كان ذلك بداية عهد جديد للآداب العربية"١.

وقد كان المقدر للأدب العربي بعد أن نهض في أواخر عهد إسماعيل، وأخذ يتجه صوب الأدب الغربي ليفيد فكرة، ومنهجًا، ويجمع بين ما ورثه عن العرب، وما تقدمه له أوربا، وبعد أن ظهر أمثال محمد عثمان جلال وأديب إسحق ومن شاكلتهما، وبعد أن عرفت مصر في تلك الحقبة ألوانًا مختلفة من الآداب الأوربية، أن تزداد صلة الأدب الغربي، ويأخذ عنه بعض أساليبه، ولكننا نلاحظ كما لاحظ الأستاذ "جب" ضعف المصريين في الأدب إبان هذه السنوات العجاف٢، حتى لقد مضى القرن التاسع عشر ولم يظهر فيه إلا شبه قصة مصرية هي ما كتبه محمد المويلحي في "حديث عيسى بن هشام".

لقد امتدت يد الإنجليز للغة العربية في كل مكان، ولم يبقَ إلا مدرسة واحدة ظلت اللغة العربية فيها تتمتع بشيء من القوة النسبية، تلك هي "دار العلوم"، ولقد حاولوا مرات أن يصبغوها صبغة إنجليزية لولا تدخل الشبح محمد عبده صديق كرومر، فكفوا أيديهم عنها، وقد رأس الشيخ محمد عبده سنة ١٩٠٤ الامتحان


١HUART LITTERATUR ARABE. PARIS, ١٦٦ ١.
٢ GIBB: B.S VOL VII. PART. I. P. ٢.١٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>