ولست أزعم أنني ضليعٌ بهذا العبء وحدي، وأنني حين أقدم هذا الكتاب للقارئ العربيّ قمت بهذه الدراسات المستفيضة، وانتهيت من الأحكام العامة التي تؤدي إليها هذه الدراسات، ولكن هذا الكتاب ليس إلّا محاضراتٍ ألقيتها على طلبة كلية دار العلوم بجامعة القاهرة، وحاولت أن أعرض عليهم فيها نماذج من هذه التيارات المتباينة في الأدب الحديث، وأسرد عليهم فيها كيف نما هذا الأدب وتطوّر، في إجمالٍ واختصارٍ.
وقد ألحُّوا عليَّ إلحاحًا شديدًا في أن أقدمه للمطبعة، حتى ينتفعوا به, وينتفع غيرهم فيما يزعمون, ولقد ترددت طويلًا قبل أن أستجيب لرغبتهم، لاعتقادي أن هذا العمل يتطلب جهدًا عنيفًا, ووقتًا طويلًا, وأن الأولى به أن يظل دراسةً حتى تستوفي عدتها، وتكمل أهبتها، وتوضع في قالبها على صورة كتاب.
فإنا لا أعفي كتابي هذا من التقصير، وإذا لم يستوعب الأدب الحديث ومدارسه، وكل الشخصيات الأدبية الجديرة بالدرس، فإني أول المعترفين بذلك، والمعتذرين عن تقصيره، والذي يشفع لي عند القراء أنها محاولة لدرس الأدب الحديث؛ علَّ فيهم مَنْ يكون أقوى مني منه، وأطول باعًا، فيستوفي الموضوع, ويلمَّ بكل أطرافه، أو يكون فيهم مَنْ تستهويه ناحية خاصة، أو أديب بعينه؛ فيتخذه مجالًا لدراسته، وتزويد المكتبة العربية بها، فيعين على تحديد معالم أدبنا المعاصر.
وبعد, فإن المعاصرة حجاب، وقد أتعرض في كتابي هذا بالنقد لبعض الأحياء من الأدباء، والتعريف بآثارهم الأدبية، وقد يكون في كلامي ما لا يروقهم، أو يثقل عليهم، ولكني سألزم نفسي قول الحقِّ مجردًا عن الأهواء والغايات، ثم إني مجتهدٌ، فإن أصبت فلي ثوابان، وإلّا فلن أعدم ثواب الاجتهاد، ولن تحول المعاصرة بيني وبين تقرير الحقيقة، والله الموفق للصواب.