ولذلك رأينا مَنْ يقلِّدُ المدرسة الإبداعية "Romantiame"، ومن يدعي أنه من المدرسة الواقعية "Realisme"، ومن يحاول أن يكون من المدرسة الرمزية "Symbolisme" إلى آخر ما هناك من مدارس.
وأدب هؤلاء المغرقين في التجديد، والمغرمين بالتقليد، هو أدب غربيٌّ صرفٌ، جاء في ثوبٍ عربيٍّ ضعيف النسيج، ملونٌ بألوان صارخةٍ يمجُّهَا الذوق العربيّ.
هذه الأنماط المختلفة من الأدباء، وهذه الألوان المتباينة من الأدب، في عصرٍ ازدحم بالعلوم والثقافات، يجعل مهمة مؤرخ الأدب عسيرةً في تعرف طريقه: في درسها وتقسيمها وحصرها، وإصدار أحكام عامة عليها، وتبيان كل مدرسة، والفريق الذي ينتمي إليها في كل بلاد العروبة، ولا سيما النهضة اليوم عامة، وهناك عشرات من الأدباء اللامعين يستحقون الدراسة، ولابد لمؤرخ الأدب كذلك من التعرض للعوامل السياسية والاجتماعية التي أثَّرت في الأدب العربيّ الحديث، وتتبع نمو هذا الأدب منذ عصر محمد علي، حين كان يحاول التخلص من القيود التي كُبِّلَ بها في عصور الانحطاط، إلى أن قوي، ووقف على قدميه حرًّا طليقًا، ثم إلى أن صار ماردًا عملاقًا في جيلنا الحاضر.
وأشهد أن هذا العمل الضخم يحتاج إلى دراساتٍ واسعةٍ قبل أن يَتِمَّ ويصيرَ عملًا تاريخيًّا علميًّا له قيمته: فمن دراسةٍ لتأثر الشعر العربيّ الحديث بالثقافة الغربية؛ من حيث الفكرة والخيال، والغرض والصورة، ومن دراسةٍ للكلمات الدخيلة والمعربة التي استعملها الأدباء، ومن دراسةٍ لتطور القصة في الأدب العربيّ قديمًا وحديثًا، ومن دراسةٍ للأساليب الأدبية المتأثرة بالأساليب الغربية، ومن دراسةٍ لتطور النثر العربيّ، وأدب المقالة، إلى غير ذلك من الدراسات المنظمة المسهبة التي تأخذ جزءًا خاصًّا من هذا العمل الضخم، وتبحثه وتصدر عليه أحكامًا مدعومةً بالأدلة والنماذج، لتعين مؤرخ الأدب حين يتعرض إلى المدارس الأدبية في العصر الحديث، ورجال كل مدرسة.