للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هذا التيار الغربيّ القويّ الذي يجري في حياة الأمة العربية العقلية والأدبية، وينافسه تيارٌ آخر حبيبٌ إلى نفوس الأمة، ويمتُّ إلى ماضيها المجيد، ويعرض الشخصيات المألوفة لديها، الأثيرة عندها، التي تبعث فيها العزة والكرامة، وتقوي من شخصيتها، وتزيد في اعتدادها بنفسها، وذلك هو الأدب العربيّ القديم، وهو أدبٌ قويٌ ضخمٌ غاصٌّ بكثيرٍ من آيات الفن ومعجزاته، وهو قريبٌ من نفسية الشعب العربيّ، ويستطيع أن يتمثله بيسر ومسرةٍ، قريبٌ من فكره وعاداته، وعقيدته، ومزاجه, وشعوره، فلا بدع إذا عظم هذا التيار, واشتد وزاحم تيار الثقافة الغربية مزاحمةً عنيفةً.

والأدباء في العالم العربيّ -في خلال قرن من الزمن- قد تباينوا في تأثرهم بهذين التيارين: فمنهم من اقتصر على القديم بحكم ثقافته وبيئته، والعوامل الاجتماعية الخاصة المحيطة به، وإن لم ينج من التأثر بالأفكار الشائعة، والألوان الأدبية المترجمة في الصحف والمجلات، ودور العلم، ولكن غلب القديم عليه في خياله وموضوعه وأسلوبه, وطريقة عرضه؛ ومنهم مَنْ كانت ألوان الثقافة الغربية غالبةً على أدبه، فتقرأ له وكأنما تقرأ لأديبٍ فرنسيّ أو إنجليزيّ يكتب بالعربية؛ ومنهم مَنْ حاول الجمع بين القديم والجديد، فحذق من القديم متانة الأسلوب، وطلاوة العبارة، ووضوح الغرض، وأخذ من الجديد حسن العرض، وطرافة الموضوع، أما الفكرة فتارةً يأخذها من هنا، وتارةً يأخذها من هناك.

هذا، وقد حاول بعض أدباء العربية في السنوات الأخيرة محاكاة المدارس الأدبية الأوروبية، التي نشأت بتطور تلك الأمم في الحياة والمدنية، والتي كانت أثرًا لعوامل اقتصادية واجتماعية وسياسية مختلفة.

حاولوا محاكاتها دون أن تحفظهم إلى هذه المحكاة, أو تدفعهم إلى لونٍ خاصٍّ من الأدب دافع قهريةً, كما كان في الغرب، ولكنه حب التجديد، والتقليد للأدب الغربيّ فحسب.

<<  <  ج: ص:  >  >>