للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالتعويض، ولا بالإنصاف وإن أحد المشنوقين كان شيخًا في الستين، يبدو من الضعف كابن السبعين، فلو لم يشنق لجاز أن يموت في السجن قبل انقضاء خمس سنوات.

ثم أجمل القول في الحادثة، ووقائع المحاكمة، وأقوال الشهود، وما جوزي به بعضهم على الصراحة في أداء الشهادة، وأشبع اللورد كرومر ووكيله "مستر فندلي" تقريعًا وسخرية على ما كتباه عن القضية إلى وزير الخارجية، ومنه قول "فندلي" في تسويغ عقوبة الجلد بمصر: "إن المصريين قدريون لا يهمهم الموت، كما تهمهم العقوبة البدنية"، فكان تعقيب "شو" على هذا التعليل العجيب، أن العجب إذا في أمر الأربعة المشنوقين، أليسوا من المصريين؟

وقد شملت حملته الوزارة البريطانية، والبرلمان الإنجليزي؛ لأنهم لم يمنعوا تنفيذ الحكم بعد تبليغه، وقال: "إن الإفراج عن المسجونين من أهل القرية أقل تفكير منتظر عن هذه الكارثة البربرية" وظل "شو" يتابع القضية بعد إقامة كرومر، وأعلن اغتباطه بعد سنة حين أثمرت حملته ثمرتها المشكورة، وأبلغوه أن العفو عن السجناء قريب١.

قلنا: إن شوقي صمت عامًا كاملًا لم يقل كلمة؟ وكان المنتظر بعد أن عم الأسى من أقصاها إلى أقصاها، وتألم لمصابها حتى الإنجليز أنفسهم، وصار الناس كأنهم في مأتم على حد قول قاسم أمين: "رأيت عند كل شخص تقابلت معه قلبًا مجروحًا، وزورًا مخنوقًا، ودهشة عصبية بادية في الأيدي والأصوات. وكان الحزن على جميع الوجوه، حزن ساكن مستسلم للقوة، مختلط بشيء من الدهشة والذهول، وترى الناس يتكلمون بصوت خافت، وعبارات متقطعة، وهيئة بائسة، منظرهم يشبه منظر قوم مجتمعين في دار ميت"٢.

نقول كان من المنتظر من شوقي وأمثال شوقي أن يعبروا عن عواطف المصريين جميعًا إزاء هذه الكارثة، وأن يشعلوها نارًا مضطرمة الأوار، متأججة


١ راجع جورج برناردشو في سلسلة أقرأ.
٢ مصطفى كامل ص ٢٠٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>