للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السعير، تحرق تلك القلوب الغليظة التي انتقمت من غير شفقة ولا رحمة من قوم عزل ضاعف مظلومين، ولكن شوقي اتبع سياسة القصر في ذلك، سياسة الحياد والمهادنة والخوف من كرومر الطاغية ولم ينطق إلا بعد مرور عام، فقال قصيدة من أربعة عشر بيتًا، وفيها ترديد لما قاله حافظ، وفيها يقول١.

يا دنشواي على رباك سلام ... ذهبت بأنس ربوعك الأيام

شهداء حكمك في البلاد تفرقوا ... هيهات للشمل الشيت نظام

وفيها يقول:

"نيرون" لو أدركت عهد "كومر ... لعرفت كيف تنفذ الأحكام

نوحي حمائم دنشواي وروعي ... شعبًا بوادي النيل ليس ينام

متوجع يتمثل اليوم الذي ... ضجت لشدة هوله الأقدام

السوط يعمل والمشانق أربع ... متواحدات والجنود قيام

وحدث بعد ذلك أن مات مصطفى كامل في ١٠ من فبراير ١٩٠٨، بعد أن قدم شبابه وذكاءه، وعزمه ومضاءه، وقودًا لشعلة الوطنية كي تظل مضيئة تعشى منها أبصار المستعمرين ويهتدي بسناها طلاب الحق والنصفة والاستقلال، ولكن سرعان ما نضب معين القوة من جسده وتهدم ذلك الجسم الفتي، والشباب الجريء؛ لأنه كان أضيق من أن يحتمل تلك النفس القوية التي كانت تكن فيه وتلك الروح الوثابة التي كانت تحترق بين جوانحه.

فكان موته -وأمته أحوج ما تكون إلى قيادته وزعامته، ووطنيته وجرأته، وصوته المدوي بالحق، نكبة وطنية أصطكت لهولها الأسماع، وزلزلت القلوب، واهتزت المشاعر، وقرحت الجفون، وسحت العيون.

وكان شوقي صديقًا لمصطى كامل، يرسل إليه القبلات في رسائله إلى محمد فريد من أوربا٢.

وكان من المنتظر حين يرثيه شوقي وقد زاره وهو على فراش الموت أن يبدع في رثائه ويشيد بمواقفه، وإحيائه للأمة بعد أن استكانت، وتنغيصه على


١ الشوقيات ج١ ص٢٤٨.
٢ ارجع إلى عبد الرحمن الرافعي في مصطفى كامل ص٣٨٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>