للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفاته وإذا أمعنا النظر في القصيدة الأولى وجدناها -بطبيعتها وسرعتها وإنشائها لوعة صادقة، تصور هول الفجيعة، ودمعة حارة، وزفرة عميقة، جاءت من وحي العقل الباطن، لا نتيجة تفكير وتروٍ، ومست جوانب العظمة في مصطفى كامل، وبينت ما عمله لمصر، وما يرجوه الشاعر من مصر بعد وفاته، وكانت خير معبر عن شعور المصريين إزاء هذا الخطب الفادح تلك القصيدة التي مطلعها١:

أبا قبر هذا الضيف آمال أمة ... فكبر وهلل وألق ضيفك جاثيًا

عزيز علينا أن نرى فيك مصطفى ... شهيدًا العلا في زهرة العمر ذاويا

وبعد أن يشير بأعماله يشعر أنه أكثر من البكاء والعويل، وأن الأمة حزينة، ولعل مصطفى كامل لا يرضى بهذا الضعف فيقول له:

عهدناك لا تبكي وتنكر أن يرى ... أخو البأس في بعض المواطن باكيا

فرخص لنا اليوم البكاء وفي غد ... ترانا كما تهوى جبالًا رواسيا

ويستحث المصريين على الوفاء لهذا الراحل الكريم بالمحافظة على مبدئه، وسياسته، والتمسك بشعاره فيقول:

أيا نيل إن لم تجر بعد وفاته ... دمًا أحمر لا كنت يا نيل جاريًا

ويا مصر إن لم تحفظي ذكر عهده ... إلى الحشر لا زال انحلالك باقيا

ويا أهل مصر إن جهلتم مصابكم ... ثقوا أن نجم السعد قد غار هاويًا

أما القصيدة الثانية التي قالها في حفل الأربعين فقد خفت فيه حدة العاطفة، وحرارة اللوعة، وصور فيها حافظ بشعوره الواعي الحوادث الخارجية، ووصف الجنازة، ومواقف مصطفى كامل التاريخية المجيدة، ومطلع تلك القصيدة:

نثروا عليك نوادي الأزهار ... وأتيت أنثر بينهم أشعاري

ويصور فيها جهاد مصطفى كامل بقوله:


١ ديوان حافظ ج٢ ص١٤٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>