ماذا تريدون لا قرت عيونهم ... إن الكنانة لا يطوي لها علم
وقد تنبه الإنجليز إلى أن حافظ قد تجاوز حده، وإلى أنه انضم صراحة إلى الجبهة الوطنية، وصار شاعرهم الفذ، الذي يهيج النفوس بعشره الذي يعبر فيه عن عواطفهم بسهولة ويسر ورشاقة، فعملوا على وضعه في قفص الوظيفة حتى يسكت عنهم؛ أو يرجع إلى سياسته القديمة من مهادنتهم، فعين على يد حشمت باشا ناظر المعارف في ذلك الوقت رئيسًا للقسم الأدبي في دار الكتب المصرية سنة ١٩١١، وظل بهذه الوظيفة إلى سنة ١٩٣٢ حين أحيل إلى المعاش، وأنعم عليه برتبة "البكوية" في سنة ١٩١١، ثم أنعم عليه بـ "نيشان النيل" من الدرجة الرابعة، وبذلك كبل حافظ بقيود الوظيفة والألقاب، وضن بمنصبه كل الضن، وخشي عليه كل الخشية وصار لا يقول شعرًا يغضب به أحدًا من ذوي السلطان خشية أن يزحزحوه عنه. أو ينالوه بأذى فيه، وإن قال شعرًا سياسيًّا أخفاه ولم ينسبه إلى نفسه. وليته سكت بعد أن دخل قفص الوظيفة، ولكنه أخذ يدعو إلى التعاون مع الإنجليز من مثل قوله عقب إعلان الحماية، وتوليه السلطان حسين كامل عرش مصر مهنئًا له وناصحًا بأن يتبع آراءهم وينصاع لأوامرهم:
ووال القوم إنهم كرام ... ميامين النقيبة أين حلُّو
لهم ملك على التاميز أضحت ... ذراه على المعالي تستهل
وليس كقومهم في الغرب قوم ... من الأخلاق قد نهلوا وعلو