للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهي قصيدة لعمري تدل على أن صاحب ذلك الشعر ليس هو الحافظ الملتهب الجبار الذي كان يصب شآبيب سخطه على الإنجليز، ويريد أن يطردهم من مصر، وإلا فما باله ينصح السلطان بأن يماددهم حبال الود. وماله ينصحه بمشاورتهم ويشيد بقوتهم؟ وثمة قصيده أخرى تنم عن ذلك التغيير في شعر حافظ السياسي، وخضوعه التام لأسر الوظيفة وإقراره بالأمر الواقع من سلطان الإنجليز بمصر وبطشهم، تلك هي تلك هي التي قالها عند تعيين "السر مكماهون" عميدًا لإنجلترا بمصر سنة ١٩١٥ ومنها يقول له معترفًا بأنه صاحب الأمر المطلق، ومن بيده الحل والعقد في البلاد:

ودع الوعود فإنها ... فيما مضى كانت روايه

أضحت ربوع النيل سلـ ... ـطنة وقد كانت ولايه

فتعهدوها بالصلا ... ح وأحسنوا فيها الوصايه

أنتم أطباء الشعو ... ب وأنبل الأقوام غايه

أنى حللتم في البلا ... د لكم من الإصلاح غايه

فهذه النغمة التي يمجد فيها الإنجليز، ويشيد بعدلهم، ومقدرتهم على الإصلاح، ويطلب منهم أن يهتموا بشئون التعليم في مصر، ويتعهدوا البلاد بالرعاية، ويقول لهم: إنههم أنبل الشعوب وأعدلهم تشعرنا بأن حافظًا نسي أن مصر محتلة، وأنها كانت تطالب بالاستقلال وكأن لم تكن ثمة صرخات مدوية، رددها مصطفى كامل في الخافقين ورددها صحبه الأمجاد، ورددها حافظ نفسه، والكل يطلبون منهم أن يبرحوا مصر غير مأسوف عليهم، واستمع إليه يقول في آخرها:

هذا حسين فوق عرش ... النيل تحرسه العناية

هو خير من يبني لنا ... فدعوه ينهض بالبناية

فالأمر كما يقول بيد الإنجليز، إن شاءوا تركوه ينهض بالبناية، وإن شاءوا أبوا عليه ذلك، فهو لا يملك في الواقع من أمر مصر شيئًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>