للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وليس معنى ذلك أن عوامل الوطنية قد ماتت في نفس حافظ، ولكن كان -كما ذكرنا- يخشى أن يفقد مورد رزقه إن هو جاهر برأيه، ولذلك تراه يقول بعض القصائد السياسية ويكتمها، أو ينشرها بغير اسمه من مثل قصيدته في وصف مظاهرة السيدات في سنة ١٩١٩، ولم تنشر باسمه إلا في سنة ١٩٢٩ حين أمن عاقبة نشرها وهي التي يقول في أولها:

خرج الغواني يحتججـ ... ـن ورحت أرقب جمعهنه

ومن مثل قصيدته التي قالها في عهد إسماعيل صدقي ١٩٣٠، وقد ألغى الدستور وثارت مصر بأسرها ضده، ولم يشر إليها أو ينشدها ضده، ولم ينشدها أحدًا من أصدقائه إلا بعد أن خرج إلى المعاش، ويقول الأستاذ أحمد أمين: "ولقد أنشدني قصيدته هذه التي مطلعها":

قد مر عام يا سعاد وعام ... وابن الكنانة في حماه يضام

وهي التي يقول فيها مخاطبًا صدقي "باشا":

ودعا عليك الله في محرابه ... الشيخ القسيس والحاخام

لا هم أحى ضميره ليذوقها ... غصصًا وتنسف نفسه الألم

صدقي، فأشرت عليه أن ينشر بعضها، أو يكتبها، أو يمليها، أو يحتفظ بها بأي شكل من الأشكال فقال: "إني أخاف السجن ولست أحتمله"١.

لقد أطال حافظ الصمت، ومرت بمصر أحداث جسام، فالثورة المصرية العارمة، وتغير نظام الحكم، واستقلال البلاد نسبيًّا، ومجيء الدستور وحكم الشعب، لم تحرك من حافظ سكانًا، وإذا تكلم فبحذر ورفق من مثل قوله في تصريح ٢٨ من فبراير ١٩٢٢ الذي منحت مصر به الدستور:

أصبحت لا أدري خبرة ... أجدت الأيام أم تمزح

ألمح لاستقلالنا لمعة ... في حالك الشك فاستروح


١ مقدمة الديوان ص١٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>