للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتراه لا يكتفي بهذا، ولكنه يشير بعد ذلك إلى أن هذا القانون الظالم الذي طبق في هذه الحادثة، سيظل يبعث الفزع والرعب في القلوب، وأن ما ارتكبه من مأثم، وما طعن به مصر من جراح لن يكفر عنها بشيء ولن تلتئم هذه الجراح ما دام الاحتلال قائمًا وجنوده تبرق وترعد:

قانون "دنشاواي" ذلك صحيفة ... تتلى فترتاع القلوب وتخفق

هل يرتجى صفو ويهدأ خاطر ... والماء حول نصوصها يترقرق

ومضاجع القوم النيام أو أهل ... بمعذ يردي، وآخر يرهق

لن تبلغ الجرحى شفاء كاملًا ... وما دام جارحها المهند يبرق

هذا كل ما قاله صبري، وكنى عن المحتل الغاصب بالجارح المهند، ولم يصرح به، ولا نسمع له شيئًا آخر في الإنجليز من قريب أو بعيد، ولكننا نسمع له مقطوعات قصيرة، في البيتين والثلاثة، يضمنها رأيه في وزراء مصر قبل الحرب العالمية الأولى، بدعابة مرحة، كأنها صورة هزيلة فكهة مما تنشره الصحف اليوم، من ذلك قوله في مصطفى فهمي باشا الذي عرفت من أمره ما عرفت، وأنه كان أحب للإنجليز وأخلص لهم من أنفسهم، فلما سقطت وزارته التي طال عليها الأمد، وملها المصريون، وضاقوا بها ذرعًا في سنة ١٩٠٩ قال إسماعيل صبري:

عجبت لهم قالوا: "سقطت" ومن يكن ... مكانك يأمن من سقوط ويسلم

فأنت امرؤ ألصقت نفسك بالثرى ... وحرمت خوف الذل ما لم يحرم

فلو أسقطوا من حيث أنت زجاجة ... على الصخر لم تصدع ولم تتحطم

ولما مات مصطفى كامل شق عليها نعيه وهو الصديق الوفي، الذي كان يحرص على وداده، وعلى الرغم مما كان بينه وبين الإنجليز من عداوة سافرة، وعلى الرغم من أن إسماعيل صبري كان موظفًا في الحكومة، فوقف على قبره، وهو يوسد الثرى ينعاه، فلم يكد ينطق بالبيت الأول من قصيدته وهو:

أداعي الأسى في مصر ويحك داعيا ... هددت القوى إذا قمت بالأمس ناعيا

<<  <  ج: ص:  >  >>