حتى ملكته العبرة، وغاب عن الوعي، وفقدت القصيدة١، ولولا قصيدته في مصطفى كامل في حفل الأربعين ما عرفنا عن شعوره إزاء هذه الكارثة شيئًا، وهذه القصيدة فيها عاطفة جياشة، تنبئ عن لوعة صديق محزون هده الحزن، ولم يصور فيها مصطفى كامل الوطني المشتعل حماسة وثورة على قيود الرق وأغلاله، بما يليق به، واكتفى بذكر الشجن والأسى والحسرات لفراقه وليس فيها من نبأ عن وطنية مصطفى كامل إلا إشارات عائرة، وما عدا ذلك فهو تصوير لعظم الفجيعة.
عللاني بالتعازي وأقنعا ... فؤادي أن يرضى بهن تعازيا
وإلا أعيناني على النوح والبكا ... فشأنكما شاني وما بكما بيا
وما نافعي أن تبكيا غير أنني ... أحب دموع البر والمرء وافيا
إيا مصطفى تالله نومك رابنا ... أمثلك يرضى أن ينام اللياليا
تكلم فإن القوم حولك أطرقوا ... وقل يا خطيب الحي رأيك عاليا
ويخيل إليك أن سيفيض في ذكر مزاياه ويتحدث بإسهاب عن وطنيته، ولكنه يشير بعد أبيات في إيجاز شديد إلى أن مصطفى كامل كان سلاح مصر، وكوكبها المضيء في دجنة الحوادث، وأنها فقدت هذا السلاح وهي أحوج ما تكون إليه، وهذا الكوكب وهو تتخبط في الظلماء، ولولا ما خلفه من الأماني في نفوس مواطنيه لكان في بكائهم عليه بكاء على أمانيهم.
فقدناك فقدان الكمي سلاحه ... وسارى الدياجي كوكب القطب هاديا
وبتنا ودمع العين أندى خمائلا ... وأكثر إسعافًا من الغيث هاميًا
ولولا تراب من أمانيك عندنا ... كريم بكينا إذ بكينا الأمانيا
وأشار كذلك إلى قوة حجته، وعظيم دفاعه عن مصر في إيجاز:
فليتك إئ أعيبت كل مساحل ... قنعت فلم تعي الطبيب المداويا
وليتك إذ ناضلت عن مصر لم تفض ... مع الحبر قلبا يعلم الله غاليا
١ انظر ص٣٢ من ديوان إسماعيل صبري وكذلك ص٢١٣.