للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهو لا ينطلق على سجيته، ويخيل إليك أنه يمشي بحذر، خائفًا يترقب فثمة الإنجليز وثمة القصر، وكلاهما غير راضٍ عن مصطفى كامل، وهو شاعر يدين للقصر بالولاء كما ينطق بذلك ديوانه الذي يغص بقصائد المديح يرجيها في كل مناسبة للخديو، ولكنه كان -على كل حال- أجرأ من شوقي في هذه المناسبة، ولعل جرأته أتت من أنه كان قد اعتزل الخدمة١ وأصبح لا يخشى بأس الإنجليز.

ثم تمر مصر أحداث، ويطوح الإنجليز بعباس، ويأتي السلطان حسين كامل بعد إعلان الحماية، فيهنئه ولكنه كان أشد وطنية من صاحبيه حافظ وشوقي، فلم يشر إلى الإنجليز أي إشارة، ولم يدع إلى التعاون معهم، أو يثن عليهم، بل اكتفى بأن هنأه، وذكر أن الإمارة لم تزل في أهلها، وأنهم يتناوبون العرض ماجدًا بعد ماجد، وأن أهل مصر لا يزالون على الود القديم. إلى غير ذلك من المعاني التي تقال في مثل هذه المناسبة:

إن الإمارة لم تزل في أهلها ... شماء عالية القواعد والذرا

والتاج مقصورًا عليهم ينتفي ... منهم كبيرًا للعلاء فأكبرا

والعرش إن أخلاه منهم ماجد ... ذكر الأماجد منهم وتخيرا

عزى عن العباس أنك عمه ... وأجل من ساس الأمور ودبرا

ولكنه يفضل "حسينًا" بعد ذلك على "عباس"، ويحتج لاختياره، ولو أنه اكتفى بما قاله في البيت الأخير، لكان خيرًا له؛ لأن عباسًا حظي منه بمدح شتى، ورفعه فيها إلى السماكين، وكان واجب الوفاء يدعوه ألا يذم صاحبه الذي مدحه بالأمس، وألا يدعو الناس للشكر على أن جاء حسين بدلًا منه:

والبيت "بيت محمد" قد شاده ... لبنيه لم يستثن منهم معشرًا

والعم أكبر حكمة ودراية ... بالأمر لو أن المكابر فكرا

حال إذا نظر الأريب جمالها ... شكر الإله وحقه أن يشكرا

وهذا التقلب في المديح يدل على أن الشاعر لم يكن صادقًا في مديحه لعباس أو حسين، وإنما يدل على أنه كان مع الحاكم أيًّا كان، شأن معظم شعراء المديح


١ اعتزل إسماعيل صبري الخدمة في ٢٨ من فبراير سنة ١٩٠٧ راجع المقدمة ص٤٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>