للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الذين لا يصدرون في شعرهم عن عاطفة جياشة صادقة وإنما يصدرون عن مراءاة ونفاق ورغبة في الحظوة والمكانة لدى ولي الأمر أيًّا كان خلقه ووطنيته.

هذا هو إسماعيل صبري، كان وطنيًّا صادقًا ولكن في هدوء وحذر، يريد الإصلاح والرقى لقومه عن طريق التعليم والنهضة الصحيحة، ويخشى التيارات السياسية المتلاطمة الأمواج، ولا أدل على وطنيته ومنهجه من قصيدته التي يقول فيها على لسان فرعون مخاطبًا مصر والمصريين محرضًا إياهم على النهوض، تلك القصيدة التي مطلعها:

لا القوم قومي ولا الأعوان أعواني ... إذا ونى يوم تحصيل العلا واني

والتي يقول فيها:

لا تقربوا النيل إن لم تعلموا عملًا ... فماؤه العذب لم يخلق لكسلان

ردوا المجرة كدًّا دون مورده ... أو فاطلبوا غيره ريًّا لظمآن

وسنعود إليها فيما بعد إن شاء الله.

أما محمد عبد المطلب فقد تمثلت فيه الوطنية المصرية الصحيحة، خاض غمارها بحماسة وعنفوان وصدق، لا يبالي بما يصيبه من جراء حمساته أو عنفوانه، ولقد نمى هذه الوطنية في نفسه عاملان قويان: أولًا، نشأته البدوية العربية، وفي العرب إباء وشمم، وأنفة من الظلم، ونزع إلى الحرية، وفي البداوة الصرامة والقوة والعنفوان والصراحة، والعامل الثاني نشأته الدينية وتدينه، والإسلام يدعو إلى العزة والكرامة والسيادة. فلا يدع إذا رأينا الشيخ محمد عبد المطلب وطنيًّا متدفق الوطنية، متطرفًا منذ أن اشتعلت الثورة المصرية سنة ١٩١٩.

ولكن قبل أن نعرض شعره السياسي في الثورة نعود إلى الخلف قليلًا لنرى موقفه من تركيا والإنجليز قبل الحماية وبعد أن أعلنت. لم يكن الشيخ محمد عبد المطلب تركي النزعة، ولا يمت إلى الأتراك بجنس ولا نسب، ولا مقربًا من الأمير أو حاشيته، ولا هو من كبار الموظفين الذين يرجون الخير من الأتراك

<<  <  ج: ص:  >  >>