للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في مصر، وهذا الثبات على المبادئ والإخلاص الدائم لمصر والمصريين هو فضيلة يجب اعتبارها وإكرام المتحلى بها".

وقد كان لعطب عباس عليه أثر في شعره فمدحه بأكثر من قصيدة١. ولكنه بعد أن خلع عن العرش لم يذكره مطران بكلمة خشية سلطة اللاحتلال، وقد مرت فترة الحرب العالمية الأولى، وما عانته مصر في خلالها من عسف وظلم، وهو صامت لا يتكلم، فلما اضطرمت نار الثورة المصرية، وظهرت على مسرح السياسة وجوه جديدة، خص منها بالمحبة والثناء سعد زغلول، وإن لم يكن له في الثورة وحوادثها الدامية، وظلم المحتل الغشوم وجبروته أي كلمة وأول صوت نسمعه له هو تحية "سعد" حين عودته من سيشل٢ بقصيدته التي مطلعها:

خفت لطلعة وجهك الأعلام ... ومشت تحيط بركبك الأعلام٣

ولكنه يقف بعد ذلك من الحوادث المصرية موقفه الأول، وهو الحياد، والترقب؛ لأنه ثمة أحزابًا، وانشقاقًا في الصفوف، ويخشى أن يتهم بالميل لهذا الحزب أو ذاك فيجني عليه هذا الاتهام، والحزبية في مصر قاسية لا تغفر للمرء حسن ماضيه، وعظيم بلائه في سبيل بلاده، وتراه يرثي زعماء الأحزاب قاطبة: ثروت، وعدلي، وسعد، ولا يقول إلا في الأمور الوطنية العامة كتمثال نهضة مصر، وعيد الجلاء، وتمثال سعد، وتمثال مصطفى كامل وما شابهها، وانصرف إلى العمل في خدمة المسرح المصري، مديرًا للفرقة القومية، وعكف على قول الشعر الخالد.

وثمة شاعر آخر يمثل لونًا في السياسة والشعر غير ألوان هؤلاء الذين ذكرناهم، وهو ولي الدين يكن، أهمله مؤرخو الأدب والنقاد المصريون، فلا يعرف عنه الناس إلا قليلًا؛ وذلك لأنه لم يكن ذلك الوطني المصري المخلص، بل كان من حزب الاحتلال، ورجال كرومر.


١ الديوان ج١ ص٤٤، ٧٧، ج٢ ص٨٦، ١٠٥، ١٤٢.
٢ نفى سعد وصحبه إلى جزر سيشل في ٢٩ من ديسمبر سنة ١٩٢١ وعاد من المنفى في ١٧ من سبتمبر سنة ١٩٢٣.
٣ الأعلام الأولى: الرايات، والثانية، كبراء الأمة.

<<  <  ج: ص:  >  >>