للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان ولي الدين أول أمره من دعاة الجامعة الإسلامية، وممن يعني بشئون تركيا، أكثر من عنايته بشئون مصر، ويدعو لتأييد حكومتها، ويدافع عن عبد الحميد ورجاله ولما رحل إلى تركيا فيما بين عامي ١٨٩٥، ١٨٩٦، وأقام بها ثمانية أشهر غمره فيها عبد الحميد بعطفه ورضاه، وأنعم عليه بالمرتبة الثانية، ولكنه شاهد في أثناء مقامه الفساد الذي عم الأداة الحكومية التركية، والعسف والاضطهاد للأحرار، والوشاية، والرشوة، فرجع إلى مصر حانقًا ساخطًا على هذا الفساد. داعيًا إلى الإصلاح، وأنشأ جريدة الاستقامة في سنة ١٨٩٧، وجعلها اللسان المعبر للأحرار المهاجرين إلى مصر والذين تمتلئ قلوبهم غيظًا وموجدة على ما لاقوا وما تلاقى أوطانهم من ظلم عبد الحميد، وعدوان رجاله، فمنعتها الحكومة التركية بعد قليل من دخول ولاياتها، وصار يكتب في جريدة المشير١ والمقطم والقانون الأساسي٢.

وكان عبد الحميد يجد كل الجد في استرضاء هؤلاء الثائرين، ويعدهم الوعود الخلابة، ويمنيهم بتحقيق الإصلاح المنشود، وإعلان الدستور فدعا إليه ولي الدين فيمن دعا، فسافر إلى الآستانة سنة ١٨٩٨، وعين في مجلس المعارف الأعلى، ولكن ما لبث أن سئم تلك الحياة الفاسدة، فكان على خصام دائم مع رجال الحكومة، وأخذ يطعن عليهم جميعًا في الصحف الأجنبية فنفي إلى "سيواس" بالأناضول، وظل في منفاه إلى أن أعلن الدستور سنة ١٩٠٨ فعفي عنه، ورجع إلى مصر، ووجد في صمر "خليفة كرومر" يحوط هؤلاء الساخطين على تركيا بعنايته ورعايته، فأخذ ولي الدين بعد عودته يكتب في الأهرام والمقطم والمؤيد والرائد المصري٣ والزهور٤ ثم أنشأ جريدة "الإقدام" في الإسكندرية سنة ١٩١٣، وعين كاتبًا في وزارة العدل حتى سنة ١٩١٤، وبعد أن تولى السلطان


١ أنشأها سليم سركيس اللبناني في الإسكندرية سنة ١٨٩٤. وقصرها على الطعن في فساد الحكم التركي، واستبداده، والمطالبة بالإصلاح، ثم نقلها إلى القاهرة سنة ١٨٩٥ ثم إلى نيويورك سنة ١٨٩٩ بعد ما لقي من حكومة مصر عنتًا وإرهاقًا أو حبسًا، وحكم عليه في بيروت بالإعدام غيابيًّا.
٢ جريدة سياسية أنشأها صالح جمال في القاهرة سنة ١٨٩٨، وكانت تصدر بالتركية والعربية يكتب فيها مع ولي الدين يكن الكاتب التركي محمد قدري.
٣ الرائد المصري أنشأها نقولا شحاته اللبناني في القاهرة سنة ١٨٩٦.
٤ مجلة سياسية أدبية أنشأها في القاهرة أنطوان الجميل، والشيخ أمين تقي الدين سنة ١٩١٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>