والقول ينفس عن المصريين، فلا يلجئون للفعل، ولما طال زمن الكبت في خلال الحرب العالمية الأولى وما قبلها، انفجر المرجل، وشبت الثورة.
ولقد أردت بذكر شيء عن ولي الدين يكن في هذا المقام أن أعطي صورة واضحة لتأثير السياسة في الشعر، وأن واجبي وأنا أؤرخ هذه الحقبة ألا أهمل أدبيًا تعود الناس إهماله لأنه انحرف عن جادة الحق. لقد نجح الإنجليز بعض النجاح في جذب بعض الأقلام إليهم، وقد كاد حافظ إبراهيم ألا يحظى بلقب شاعر النيل، وأن يكون بوقًا من أبواقهم، لولا موت أستاذه محمد عبده، ولولا أنه مصري فيه بقية من خير جعلته يستجيب لدعاة الوطنية الصحيحة. أما ولي الدين يكن فلم يكن مصريًّا كامل المصرية، وكان مصريًّا بالوطن والإقامة تركيا بالمولد والجنس والعاطفة، وكانت الحرية التي يدعو إليها حرية مصر وتمتعها باستقلالها التام خالصًا دون الترك والإنجليز، بل هي حرية القول، والخوض في تركيا والدعوة إلى أن تظل مصر مفيدة بِغُلَّيْنِ. الغل التركي والغل الإنجليزي، وهذا لعمري خلط في فهم الأشياء وتسميتها بغير أسمائها الصحيحة.
كان بعد تركيا وطنه الصحيح، إنه في مصر تركي مهاجر، ومصر ولاية تركية في نظره، وإن تمتعت بشيء من الحرية لوجود الإنجليز بها فلهم منه الثناء، وهذا مجمل رأيه السياسي، واستمع إليه يقول بعد عودته من تركيا لأول مرة يصور ما بها من فساد:
يا وطنًا قد جرى الفساد به ... متى يرينا إصلاحك الزمن
دفنت حيا وما دنا أجل ... ما ضر لو دافنوك قد دفنوا
عز علينا "فروق" من قطنوا ... فيك فهم في العذاب قد قطعوا
ولما قال شوقي قصيدته المشهورة:
سل يلدزا ذات القصور ... هل جاءها نبأ البدور
بعد خلع السلطان عبد الحميد ١٩٠٩، ورثى فيها حال السلطان المخلوع ردّ عليه ولي الدين يكن بقصيدة من الوزن والقافية، يندد فيها بحكم عبد الحميد