ويودع "الجنرال مكسويل" في سنة ١٩١٦ ويرجو أن يعود ثانية إلى مصر بقوله:
سنذكر منك أخلاقًا حسانًا ... تزيد على النوى حسنًا وطيبًا
ونتبعك الثناء بكل أرض ... يقوم إذا نزلت بها خطيبًا
تودعك الأهلة مشرقات ... تحيي في مطالعها الصليبا
لقد أمتعتها بالسلم حتى ... نكاد اليوم لا ندري الحروبا
فعش يا ماكسويل لود مصر ... ونرجو بعد ذلك أن تؤوبا
وعلى النقيض من هذا الأديب الذي اختلت بين يديه موازين السياسة، وقيم الأشياء، فراح يعتسف الطريق، ونجد شاعرين آخرين يجري في عروقهما الدم التركي، ولكنهما كانا مثلًا عاليًا في الوطنية الصادقة على اختلاف يسير بين نهجيهما، أعني بهما: أحمد محرم، وأحمد الكاشف.
أما أحمد محرم فقد جمع إلى حماسته الوطنية، عاطفة دينية جياشة، والدين -كما ذكرنا آنفًا- يدعو إلى العزة والكرامة والسيادة، وقد صدق محرم حين قال:
خلق العروبة أن تجد وتدأبا ... وسجية الإسلام أن يتغلبا
كان أحمد محرم في أول أمره من دعاة الجامعة الإسلامية في ظل تركيا، وقد عرفت موقف مصر من هذه الدعوة ممثلًا في شعرائها الذين أسلفنا الكلام عنهم، وفي زعمائها الوطنيين، ينظر بعضهم إلى هذه الفكرة نظرة دينية، وينظر بعضهم إليها نظرة سياسية؛ لأن إنجلترا الغاصبة لا تملك وثيقة دولية تؤيد بقاءها في مصر، بينما قد اعترفت الدول جميعًا بمركز تركيا في هذه الديار، وكان أحمد محرم يتعلق بتركيا لسببين: ديني وجنسي، استمع إليه يدعو المسلمين جميعًا إلى الالتفاف حول راية الخلافة:
هبوا بني الشرق لا نوم ولا لعب ... حتى تعد القوى أو تؤخذ الأهب
ماذا تظنون إلا أن يحاط بكم ... فلا يكون لكم منجى ولا هرب
كونوا بها أمة في الدهر واحدة ... لا ينظر الغرب يومًا كيف نحترب