ومن الشعراء المقلين الذين عنوا بالطبيعة المصرية وجمالها السيد توفيق البكري وله قصيدة ممتعة عنوانها "مصر"١، وفيها يقول:
والنيل في لباتها ... عقد يلوح مجوهر
والجو صحو مشرق ... وكأنما هو ممطر
والظل من خلل الشموس ... مدرهم ومدثر
وغصونها لدن تمد ... بما تقل وتثمر
فكأنهن ولائد في ... حليها تتكسر
يا جنة يجنى الجنى ... فيها ويجرى الكوثر
أنا شاعر في وصفها ... لكنها هي أشعر
ويصف الجيزة، والأصيل، والمتحف، والأزهر والهرمين، وأخلاق المصريين وكرم ضيافتهم؛ وهي تنبئ عن لفتات شعرية سامية لم تتح لكثيرين. كما أن له في وصف الريف قطعًا نثرية هي إلى الشعر أقرب منها إلى النثر مثل: "العزلة"٢، وهو في مدحه لعباس لا ينسى مصر والتغني بجمالها، ولكنه كما ذكرنا مقل وسنعود إليه بدراسة تفصيلية في آخر هذا الجزء إن شاء الله.
ولعل شوقي قد قضى حق مصر، وحق الطبيعة المصرية، ووفى ما على الشعراء من دين أثقل كاهلهم بعد البارودي، فقد أفاض شوقي حقًّا في وصفها وتجلت شاعريته الفذة وموهبته الخالقة المقتدرة، وإحساسه المرهف، وقد ألهبت الغربة وحرقتها، والنفي ولوعته مشاعره، فاشتاق للوطن ونفث نفثات حارة من قلب مليء بالشوق والمحبة من ذلك قصيدته الأندلسية:
اختلاف النهار والليل ينسي ... اذكر إلى الصبا وأيام أنسي
والتي يقول فيها بيته الخالد:
وطني لو شغلت بالخلد عنه ... نازعتني إليه في الخلد نفسي
شهد الله لم يغب عن جفوني ... شخصه ساعة ولم يخل حسي
ويصف الجزيرة وصفًا يجعل الحياة تدب فيها، ويشخصها كأنها بشر.